Share |

الأكراد في أذربيجان...(القسم الثاني)...إعداد: د. محمد الصويركي الكردي.

كرديات من اذربيجان
كرديات من اذربيجان

 

 

 

 

تأسيس أفتونومني كردستان عام 1930م.

   في 30 مايو 1930م قررت اللجنة التنفيذية المركزية لأذربيجان تأسيس وحدة إدارية بدلاً من (كردستان الحمراء) سميت بـ (أفتونومني كردستان)، واختيرت (لاتشين) عاصمة له، و شملت أراضي (كردستان الحمراء) السابقة، ومناطق جديدة منها زنجيلان Zangilan، و جبرايل  Jabrayil raion.  علماً بأن هذه المناطق الجديدة كانت مستبعدة من كردستان الحمراء عند تأسيسه، ولكن لم يمر على إنشاء (أفتونومني كردستان) نحو شهرين ونصف الشهر حتى قامت اللجنة التنفيذية المركزية السوفيتية، ومجلس الشعب، بالإضافة إلى احتجاجات من قبل وزارة الشؤون الخارجية السوفيتية التي كانت تخشى أن الدعم المفتوح للحركة الكردية يمكن أن يلحق الضرر بعلاقاتهم مع كل من تركيا وإيران، ومنعاً لأي تحرك سياسي كردي على حدود الدولتين حيث كانت ثورة آغري الكردية بقيادة إحسان نوري باشا مستعرة في جبال آرارات ضد تركيا وإيران، لذلك تمت تصفية (أفتونومني كردستان) في 23 يوليو 1930م. لكنهم تجنبوا تصفية مقاطعة الحكم الذاتي المجاورة (ناغورني كارباغ) الأرمني؛ وذلك بسبب نفوذ ومقاومة قوية من الشيوعيين الأرمن في موسكو وباكو (20).

 التهجير القسري لأكراد أذربيجان في أعوام (1936م) و (1940-1944م):

      تعرضت الحركة الوطنية الكردية إلى الإقصاء والضعف والقمع في عصر الرئيس السوفيتي السيئ الذكر (جوزيف ستالين) بين أعوام (1937 – 1938م)، كما ش إلى القمع الذي تم تنفيذه بوحشية من قبل رئيس أذربيجان آنذاك الشيوعي (مير جعفر باغيروف)، هذا القمع أدى إلى إقفال جميع المدارس الكردية، وقيام (ستالين) بالتهجير الجماعي القسري للأقليات العرقية في القفقاس وعلى رأسهم آلاف الأكراد من مناطق ناخشيفان وكردستان الحمراء في جمهورية أذربيجان وأكراد جورجيا وأرمينيا إلى قفاري سيبيريا وجمهوريات آسيا الوسطى: (كازاخستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان) ليلاقوا الموت المحتوم بدعوى مساندتهم الهجوم النازي الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وبحجج واهية أن الألمان والكرد هما من العرق الآري.

     هذه الجرائم حدثت خلال الحرب العالمية الثانية بين سنوات (1940- 1944م). وقد فقد المهجرين أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم وشحنوا في عربات القطارات المخصصة لنقل المواشي في برد الشتاء القارص، ومات الكثير منهم خلال عمليات التهجير بسبب الجوع والبرد والمرض، ورميت جثثهم في الأنهار أو في العراء على الثلوج لتلتهمها الضواري، وبعد وصول المرحلين إلى آسيا الوسطى أسكنوا في أراضي مقفرة في الخيام وسط الصقيع، ثم هجروا إلى مناطق أخرى، وفي إحدى ليالي شهر نيسان داهمتهم مجموعة سيارات عسكرية روسية ألقت القبض على الرجال ممن يبلغ عمره من (18-65) عاماً مدعين الحاجة لهم لتشغيلهم في العمل من أجل تأمين العيش لأسرهم، وبعد مرور أيام وأشهر وسنوات....لم يعودوا إلى أسرهم، واتضح بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م بأنهم اعدموا ودفنوا في مقابر جماعية، وتم الكشف عن مقبرة جماعية في إحدى حدائق جمهورية كازاخستان وضمت مئات الضحايا كان من بينهم الكرد المذكورين، وأقامت دولة كازخستان على المقبرة نصباً تذكارياً ومتحفاً يرتاده الزوار.

    أما من كتب له البقاء، فقد عاشوا في المنافي ضمن ظروف غير إنسانية، وقليل منهم من رجع إلى وطنه.أما الذين بقوا في مناطقهم في أذربيجان وجورجيا وأرمينيا فقد حرموا من ممتلكاتهم.

الدكتاتور (جوزف ستالين) مهجر الأكراد وقاتلهم

     في وقت لاحق، عادت بعض العائلات الكردية المهجرة إلى موطنها في أذربيجان، وقسم بقي هناك، ويمكن القول بان معظم الأكراد الموجودين في جمهوريات آسيا الوسطى في (كازاخستان، قرغيزستان، تركمانستان) هم في الوقت الحاضر أحفاد تلك الأسر الكردية التي تم ترحيلها من جمهوريات أرمينيا وأذربيجان وجورجيا خلال سنوات القمع الوحشية في عهد الديكتاتور ستالين.

     وابتداء من عام 1961م، كانت هناك جهود تبذل من قبل المرحلين من أجل استعادة حقوقهم، وكان يقف على رأس هذه الطالب المناضل الكردي (باباييف محمد) الذي عاش في باكو بأذربيجان، لكن جهوده لم تثبت جدواها، وذهبت أدراج الريح(21).

     أما الأكراد الذين بقوا في منطقة الحكم الذاتي (كردستان الحمراء) سابقاً أو (نقشوان) لاحقاً في أذربيجان فقد مورس عليهم سياسة الصهر والتذويب الممنهجة من قبل سلطات باكو لدمجهم ضمن الهوية الأذرية، وقد فقد أكثريتهم هويته القومية، ولغته الأصلية، وفرضت عليهم اللغة الأذرية، وسجلوا في الإحصاءات الرسمية قسراً تحت الجنسية الأذرية، ورغم ذلك بقي الكرد في مناطق نقشوان ونخشيفان حتى حدث الصراع الدموي بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم كارباخ منذ بداية عام 1988م، واشتد الصراع بينهما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلالهما عنه 1991م، وأصبحت المناطق الكردية المجاورة لإقليم كارباخ ساحة حرب وصراع بين الطرفين انتهت باستيلاء القوات الأرمنية على المنطقة الكردية وإقليم كارباخ، مما دفع السكان الأكراد والأذربيجانيين هناك إلى مغادرة مناطقهم إلى داخل أذربيجان على شكل لاجئين، ولا يزالوا ينتظرون حل قضيتهم العالقة بين الدولتين منذ عام 1993م الى اليوم (22).          

    يمكن تقدير عدد الأكراد الذين بقوا في أذربيجان بعد عملية الترحيل الجماعي (1940-1944م) نحو (680) ألف نسمة، وبعد حرب ناغورني كارباخ أصبحوا لاجئين في مختلف أنحاء الجمهورية بعد عام 1993م، ويشكلون ما نسبته 3,2% من أجمالي عدد السكان، وهناك من يقدر عدد أكراد أذربيجان بنحو (200) ألف نسمة، بنسبة 2،8% من إجمالي السكان.

وضع الأكراد في أواخر أيام الاتحاد السوفيتي السابق 1988-1990م:

     دعا الزعيم السوفيتي السابق (ميخائيل غورباتشوف) إلى الإصلاح في ما عرف بالبريسترويكا، ومن بينها المطالبة بحقوق الأقليات ومنحهاً مزيداً من الثقافية والحريات السياسية عبر إحداث مدارس لها بلغاتها الأصلية، واستقلاليتها في إدارة شؤونها الداخلية، والسماح لهم بالعودة إلى أوطانهم التي هجروا منها أيام الحكم الستاليني، ورفع الظلم الذي حل بالبعض نتيجة سياسات الترحيل الوحشي التي انتهجها الزعيم السابق (ستالين) تجاه تلك الأقليات ومن بينها (الأكراد) الذين عانوا بشدة من عمليات التهجير القسري بين سنوات (1937، 1944)، وإلغاء الحكم الذاتي لمنطقتهم التي عرفت باسم (كردستان الحمراء 1923-1929)، والتلاعب بالأرقام السكانية لتعداهم، واستيلاء عناصر غير كردية على أراضيهم، وإلغاء اللغة الكردية كوسيلة للتعليم، وإغلاق كل المدارس ودور النشر الكردية من قبل الحكومة الأذرية خلال عهد ستالين القمعية وبعدها.

     نتيجة لذلك، قام الأكراد بمظاهرة كبرى في موسكو في شهر أيار عام 1988م جاؤوا إليها من جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي، وضمت أكثر من عشرة آلاف كردي من أذربيجان أرسلت جوازات سفرهم إلى موسكو تطالب بإلغاء الجنسية (الأذربيجانية) واستبدالها بكلمة( كردي) في قسم الجنسية، وقد وقف المسؤولون السوفيت اتجاه هذه المطالب بقدر كبير من الاهتمام والتعاطف، والتقى جبريكوف Chebrikovعضو المكتب السياسي السوفيتي ومسؤول الجنسيات مع القيادات والمثقفين الكرد ودعاهم إلى تشكيل منظمة واحدة تمثل جميع أكراد الاتحاد السوفيتي. وبعد ذلك بوقت قصير تم بالفعل تأسيس تلك المنظمة برئاسة الناشط الكردي (م. باباييف Yekbun- شخصية كردية رفيعة المستوى من باكو، وموظفاً سابقاً في وزارة الزراعة- وتم انتخاب عدد من المثقفين والزعماء الأكراد أمثال: الأكاديمي الدكتور نادروف Nadirov، والدكتورة Shakero Mihayi، والشاعر علي عبد الرحمن، والمهندس راشد Tosen- عقيد في الشرطة- وأعضاء من لجنة (خيبون Yekbun= الاستقلال).  وبعد ذلك بوقت قصير، وافقت اللجنة العامة للحزب الشيوعي على قرار لجنة (خيبون Yekbun) لعقد مؤتمر بشأن الأكراد في موسكو تحت عنوان:"الأكراد في الاتحاد السوفيتي: الماضي والحاضر"، يوم 20 يوليو 1990م، وتم عقد المؤتمر وكان واحداً من أكثر الأحداث الهامة في التاريخ الحديث لأكراد الاتحاد السوفيتي، إذ شمل لأول مرة جميع نقابات الأكراد في الاتحاد السوفياتي السابق. وعلى سبيل الذكر فقد شهد لحظات عاطفية للغاية من قبل الأكراد المسلمين والأكراد الإيزيدين وهم يحتضنون بعضهم البعض، معلنين أن الاختلافات الدينية لا يمكن أن تكسر أقوى أواصر الانتماء القومي إلى الأمة الكردية نفسها.

      كما تجمع وشارك في هذا المؤتمر ثمانية عشر سياسيا كردياً من جميع أجزاء كردستان الأربعة، وقد أعطى أكراد السوفيت مرة واحدة في العمر فرصة من الوقت لمناقشة مشاكل الأكراد مع إخوتهم في ظل النظام الشيوعي المغلق. وكان من بين هؤلاء الدكتور كمال فؤاد ممثلاً لجلال الطالباني، والدكتور محمد جمعه صالح ممثلاً لمسعود بارزاني، والدكتور محمود عثمان من الحزب الاشتراكي الكردي، والدكتور سعيد كاندي شرف الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردي الإيراني، وصلاح بدر الدين من كردستان الغربية، ومحمد علي عثمان من كردستان الشمالية، ونيزان كندال مدير المعهد الكردي في باريس. وأسفر المؤتمر عن تقديم رسالة إلى الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، واتخاذ قرارا يدعون فيه إلى إصلاح الأخطاء التي ارتكبت بحق الكرد في ظل الاتحاد السوفيتي.

     وجاء ذلك التطور الأكثر إثارة للاهتمام بعد مظاهرات واسعة النطاق من الأكراد حيث طالبوا بإعادة (كردستان الحمراء) التي أنشئت في عام 1923م، وعودة جميع المبعدين الأكراد إلى أوطانهم الأصلية. وبعد ذلك بوقت قصير دعت موسكو أعضاء مؤثرة من المجتمعات الكردية وكبار المسؤولين في أذربيجان لبحث الوضع في الأراضي الكردية. ويقال إن الزعيم السوفياتي (ميخائيل غورباتشوف) أظهر اهتماماً كبيراً في استعادة (كردستان الحمراء)، لكن المسئولين الذين يمثلون جمهورية أذربيجان ابدوا اعتراضهم على فكرة الدولة الكردية الجديدة، مدعين أن الأكراد لن يكونوا قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم.  بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث هددوا بغزو (كردستان الحمراء) في حال قرروا الانفصال عن جمهورية أذربيجان، كما عرضت على المسؤولين الأذربيجانيين تخصيص (تشول Ceyran) وهي منطقة شبه صحراوية لإنشاء دولة الحكم الذاتي الكردستاني التي أثارت ضجة قوية والضحك بين الأكراد.

   في الوقت نفسه، وعدَّ يعقوب محمدوف، والرئيس الأذربيجاني بالنيابة، لمعالجة القضية الكردية بعد تسوية الصراع في إقليم كارباخ الذي اندلع مع مطالب الأرمن بناغورني كارباخ والانفصال عن أذربيجان. وبعده يتم معالجة القضية الكردية، وإعطاء الأكراد المزيد من الحقوق الثقافية أو ربما إعادة الوضع السابق لكردستان المتمتع بالحكم الذاتي في المستقبل. ونتيجة لمناقشات طويلة وساخنة في البرلمان السوفيتي (الاتحاد السوفيتي ثم المجلس الأعلى) فان هذا القرار اتخذ لاستعادة دولة كردستان التي تشمل الأراضي الكردية الواقعة بين أرمينيا وأذربيجان في المستقبل القريب.

       ولكن مع سوء حظ الكرد أن هذا الوضع كله تغير مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م، فبعد بضعة أشهر أعلنت خمس عشرة جمهورية استقلالها عن الاتحاد السوفيتي بما فيها أذربيجان وأرمينيا. وفي هذه الأثناء دارت رحى الحرب الطاحنة بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم (ناغورني كارباخ)، ودفعت هذه الأحداث مطالب الكرد وقضيتهم إلى النسيان والتلاشي، وهذا هو قدر الكرد السيئ دائماً أن لا تأتي الظروف مع أحلامهم وتطلعاتهم (23).

مشكلة إقليم ناغورني كارباخ:

 

       خلال الحكم السوفيتي السابق كان إقليم ( ناغورني كاراباخ) يتمتع بالحكم الذاتي، وتقطنه أغلبية أرمنية تقدر بـ (30) ألفاً، لكنه يرضخ تحت حكم سلطة أذربيجان، وقد برزت مسألة الأرمن في هذا الإقليم عندما اشتكوا من إهمال السلطة الأذرية لمنطقتهم من الناحية الاقتصادية وإبقائهم في حالة من الفقر والتأخر، ووضعهم القيود المفروضة على علاقاتهم الثقافية مع أرمينيا، وقد ارتفعت حدة التوتر بين الجانبين في أوائل 1960م، وفي عام 1968م اندلعت اشتباكات بين الأرمن والأذربيجانيين في (ستيباناكيرت) عاصمة ناغورني كاراباخ، وخشي الأرمن أن هويتهم الثقافية والعرقية في هذا الإقليم ستختفي كما فعلت باكو في منطقة (ناخيتشيفان) على مدى عقود من الزمن، حيث اختفى منها السكان الأرمن، وأزيلت بشكل منهجي جميع الآثار الأرمينية، وتم تدميرها على أيدي السلطات الأذربيجانية. وفي عام 1979م، كان الأرمن يشكلون في ناغورني كاراباخ نسبة 74%، لكنهم لم يتلقوا البث التلفزيوني الأرمني، وليس لديهم مؤسسة للتعليم العالي الأرمني.

     بحلول عام 1979، كان عدد الأرمن في ناخيتشيفان قد انخفض إلى مستوى 1% من السكان، أي بحدود (ثلاثة آلاف) شخص، ومن هنا برزت هواجس الأرمن أن يكون مصيرهم في إقليم ناغورني مثل مصير ناخيتشيفان حتى جاءت الفرصة المواتية لتحرر الإقليم وانضمامه إلى وطنه الأم أرمينيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة عام 1991م، فنشب الصراع بين أذربيجان المسيطرة على إقليم ناغورني كارباخ وجمهورية أرمينيا بعد استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي المنهار عام 1991م (24).

      وبسبب النكسات العسكرية للجيش الأذربيجاني في حرب ناغورني كاراباخ، انتخب زعيم الجبهة الشعبية (ايلغبري) رئيساً للبلاد في يونيو 1992م. وأعلن  تعنصره للقومية الأذرية، وولاءه للقومية التركية، ومعاداة لروسيا الفدرالية، وطالب على الفور بإزالة القوات الروسية من أراضي أذربيجان، مما أدى إلى توتر علاقاته مع روسيا لأنه كان يلقى باللوم عليها في دعمها العسكري للأرمن في ذلك الصراع.

    ونتيجة لموقفه المعادي لروسيا فقد دفع ثمناً باهظاً لهذه السياسة، مما دفع روسيا إلى البحث عن نفوذ لها ضمن التكوين العرقي المتنوع لأذربيجان وخاصة لدى الأقليات الكردية والليزغينية والتاليش واعتبرتها أرضاً خصبة لإضعاف سلطته هناك، فجرى التفكير في إقامة جمهورية كردية مكان جمهورية (كردستان الحمراء) التي كانت قائمة فيها سابقاً (25).

جمهورية لاتشين الكردية عام 1992م.

وكيل مصطفاييف رئيس جمهورية لاتشين

     بعد وقت قصير من تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1990م، دعا المسئولون في الدولة الروسية مجدداً السياسي والطبيب والمحامي الكردي المشهور (وكيل مصطفاييف أو وكيلي مصطو Wekîl Mustafayev)- وهو كردي ينحدر من منطقة لاشين الكردية في أذربيجان، وكان الزعيم (ستالين) قد هجر عائلته إلى جمهورية قرغيزيا- وكان معه عدد من الناشطين الأكراد إلى موسكو، ووعدوهم بالدعم الروسي إذا قرروا إنشاء دولة كردية مستقلة في منطقة لاتشين وكوباتلي وكيلبجار وهي المنطقة التي قامت عليها سابقاً جمهورية (كردستان الحمراء 1923-1929م). كما أبلغوا وكيل مصطفاييف أنهم ناقشوا القضية مع القادة الأرمن وحصلوا منهم على تعهد بدعم هذه الجمهورية الكردية، وكان الدعم الضمني الروسي والأرمني لكردستان المستقلة في القوقاز مفهومة تماماً، ونابعاً من اعتبارات سياسية محضة وليست لها طابع إنساني أو عاطفي مع الشعب الكردي، ومن هذه الأسباب السياسية أن كردستان المستقلة ستوفر ممراً آمنناً بين أرمينيا وكارباخ وستكون الأراضي الكردية بمثابة الجسر الوحيد بين إقليم كاراباخ وجمهورية أرمينيا. ويمكن أن تكون الدولة الكردية المستقلة منطقة نفوذ لروسيا وتتمتع بعلاقات جيدة معها من أجل درء التهديد المتنامي الذي تشكله جمهوريتا أذربيجان وتركيا اللتان كانتا تحشدان بالفعل القوات على الحدود مع أرمينيا دعما لجمهورية أذربيجان. كما أن حكومة كردستان المستقلة سوف تسمح لروسيا لنشر قواتها في الأراضي الكردية من الناحية الإستراتيجية الحيوية على حد سواء للحفاظ على مصالحها المعرضة للخطر في منطقة القوقاز الروسية، وضمان أمن السكان الأكراد ضد عمليات انتقامية محتملة من جانب جمهوريتا أذربيجان وتركيا.

      أخذت هذه الوعود على محمل الجَد، وبدأ نشطاء الأكراد تشكيل مجموعات عمل لإطلاق الدعاية من أجل الاستقلال بين المجتمعات الكردية في مدينة (لاشين) عاصمة المقاطعة السابقة (لكردستان الحمراء). وقد أحست الحكومة الأذرية المستقلة بالقلق من التطورات السياسية في المنطقة الكردية، واستجابت بسرعة عن طريق تنظيم وحدات مكافحة الدعاية تتألف من عملاء الاستخبارات وبعض الأكراد الموالين لها لغسيل دماغ الناس هناك والوقوف في وجه المطالب الكردية الجديدة. لذلك زاروا المجتمعات الكردية في لاشين وكلباجار، وحذروهم من العواقب الوخيمة التي تنتظرهم في حال مشاركتهم في الانتفاضة التي خطط لها لبدء نشطاء حركة الاستقلال الكردية.

     ومن التحديات التي واجهة المثقفين والناشطين الأكراد هناك هو كيفية إشراك أكبر قاعدة واسعة من السكان الأكراد في المنطقة، حيث واجهوا صعوبات جمة في تهيئة الناس لفكرة الاستقلال والاقتناع بها، وقد واجهوا أمراً جديداً على الواقع وهو ما تعرض له الأكراد في أذربيجان لسنوات طويلة من حملة غسيل الدماغ من قبل السلطات الأذرية، مما أدى إلى فقدانهم الهوية الوطنية الكردية، وإجبارهم على التحدث باللغة الأذرية بدلاً من لغتهم الكردية الأصلية، كما لعب الأذريون على وتر التقارب الديني بينهم وبين الأكراد كونهما مسلمون، بعكس أعدائهم الأرمن المسيحيون، وأن انفصال الكرد عن أذربيجان ستكون خيانة لن تغتفر. كما وقفت بعض الشخصيات الكردية في وجه مشروع الدولة الوليدة، وانفصلت عن جذورها الوطنية، وكان يقف على رأسها اسكندر حميدوف Iskendar Hamidov  وزير الداخلية السابق في حكومة أذربيجان - وهو كردي ينحدر من قبيلة كولاني المشهورة- فعمل على تأسس حزب الذئاب الرمادية القومي العنصري في أذربيجان، وأخذ ينادي بحماسة بالقومية التركية، وهذا يذكرنا بدور الرئيس التركي عصمت اينونو- الكردي الأصل- الذي عمل بلا هوادة على سحق تطلعات أبناء جلدته الكرد في تركيا، وأعتبر نفسه تركياً أكثر من الأتراك أنفسهم، وبدور طه ياسين رمضان في مناصرة صدام حسين لضرب أبناء جلدته بالكيماوي في مدينة حلبجة المعروفة.

      إلى جانب ذلك، جرت تغيرات فجائية للدولة الروسية استلزم منها مرور فترة زمنية معينة حتى يتمكن الأكراد من تعزيز الوعي الوطني بين كافة القطاعات السكان الذين تعرضوا إلى حملة (غسيل الدماغ) من قبل السلطات الأذرية، ومن ثم إعداد إستراتيجية شاملة للاستقلال، وما هي الخطوات الحاسمة التي يتعين اتخاذها لإطلاق حركة الاستقلال الناجحة، وبالإضافة إلى ذلك، كانت الحرب مستعرة بين الأرمن والأذريين على حدود كردستان الكاملة، والتي عطلت الحياة اليومية للسكان الأكراد.

     وثمة عوامل كثيرة ساهمت أيضاً في عرقلة مشروع الدولة الجديدة، ومن بينها: عدم توفر الموارد المطلوبة، أو الدعم الخارجي، وصعوبة الوصول إلى الشتات الكردي في الخارج، وعدم وجود اهتمام دولي لمحنة الأكراد في منطقة القوقاز، بعكس الأرمن الذين لقوا الدعم المالي والعسكري والقوى العاملة من الخارج، مع توفر الدعم المباشر من أرمينيا المجاورة وروسيا الفدرالية الذي ثبت أنها كانت وراء تحقيق النجاح العسكري للأرمن على أذربيجان، بينما كان الوعد الذي قطع للأكراد من قبل الروس بعيداً كل البعد عن أي دعم حقيقي ملموس على أرض الواقع.

     ولا بد من التطرق إلى موقف إيران من الجمهورية الكردية المستقلة التي ستكون حدودها الجنوبية وخاصة منطقة زنجيلان Zengilanمتصلة مع حدودها مباشرة، وقد نجحت جماعة الاستقلال الكردي في عقد عدة لقاءات مع المسؤولين الإيرانيين، وتلقوا وعداً من طهران بالوقوف على الحياد في حال إعلان استقلال الأكراد في القوقاز، ورغم حياد إيران المعلن في البداية، تبدل موقفها واعترضت بشدة لفكرة الدولة الكردية المستقلة على أرض الواقع، لأنه بنظرها ستعطي هذه الدولة الكردية الجديدة سكانها الأكراد المقيمين في (كردستان إيران) التشجيع والحماس للحذو مثلهم وتجلب عليهم المتاعب السياسية وهم في غنى عنها، كما أعلن بعض المسؤولين الإيرانيين أنه سوف تنضم بعض قواتهم مع الجيش الأذربيجاني لسحق الجمهورية الكردية.

     كان الرفض الإيراني على الأرجح من أهم الأسباب التي أدت إلى انسحاب الأرمن وتخليهم عن وعدهم بدعم استقلال الأكراد،إذ حوصرت أرمينيا من قبل القوات الأذربيجانية والتركية، ومن هنا أخذ الأرمن ينظرون إلى إيران على أنها بوابة الحياة الوحيد لبقائهم الاقتصادي والسياسي. فكانت العلاقات الاقتصادية والسياسية الأرمنية مع إيران حاسمة بالنسبة لدولتهم الفتية والفقيرة الموارد حيث أصيب اقتصادها بالشلل بسبب تفكك النظام الاقتصادي السوفيتي، لذلك لم ترغب أرمينيا في المخاطرة بعلاقاتها الماسة مع النظام الإيراني، وفي غضون ذلك، حاول بعض المسؤولين الأرمن إقناع الأكراد إلى حل وسط وهو إعلان الاتحاد الأرمني- الكردي المشترك تحت اسم: (اتحاد كراباغ وكردستان) لكن الفكرة رفضت بحزم من قبل الناشطين الأكراد.

     ورغم هذه الظروف غير المواتية، فإن لجنة الاستقلال الكردية أعلنت رسمياً باستقلال (جمهورية لاتشين الكردية) في مايو عام 1992م. وتقرر تشكيل الحكومة الكردية بعد شهرين من إعلان الاستقلال، وفي غضون ذلك، انتشرت محطات التلفزيون الروسية في إذاعة الأنباء التي تفيد بان الأكراد قد طردوا الأذربيجانيين من بلادهم وأعلنوا الاستقلال.

    بالطبع كان إعلان الاستقلال هو لفظي فقط وليس واقعياً، وكان من السابق لأوانه جداً لأن معظم السكان في كردستان لم يكن على دراية بهذا الأمر، حتى معرفة أنشطة لجنة الاستقلال المشاركة في هذه الأحداث.

    وكان أعضاء لجنة الاستقلال الكردية قد تمكنت فقط بإجراء محادثات مع المجتمعات الكردية في مدينة لاتشين وبعض القرى المجاورة خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن. ومن المفارقات، أن سكان كيلبجار- أكبر منطقة في كردستان- سمعوا نبأ إعلان (جمهورية لاشين الكردية) من التلفزيونات الروسية بدلاً من أن يكون السكان الكرد هم المشاركون النشيطون في القيام بأعباء هذه المهمة، مع افتقارهم إلى مقاومة مسلحة منظمة للدفاع عن كردستان الوليدة ضد أذربيجان، أو ضد تدخل تركيا.

      كما رفض طلب لجنة الاستقلال للحصول على دعم عسكري من عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، وفي غضون ذلك، كان قتال الأرمن من أرمينيا وكارباخ قد حقق نجاحات عسكرية ساحقة على الجيش الأذربيجاني غير المنظم، وأصبحت أراضي جمهورية كردستان مسرحاً للحرب الدائرة بين الطرفين باعتبارها منطقة حدودية ومهمة استراتيجياً.

       نتيجة تحقيق الأرمن الانتصارات العسكرية الباهرة على الأذربيجانيين وتقدمهم ضد الجيش الأذربيجاني نسوا تماماً وعودهم بدعم الأكراد لإعلان الاستقلال، فقاموا باحتلال جميع الأراضي الكردية على حد سواء لضمان ضم (ناغورني كارباخ) إلى أرمينيا، فالحصول على مزيد من الأراضي سيكون لديهم القدرة على المساومة في المفاوضات المقبلة مع أذربيجان حول وضع كارباخ وضمه إلى أرمينيا، أو استقلاله عنها.

      بعد أيام قليلة من إعلان (جمهورية لاتشين الكردية) نجحت القوات الأرمينية في السيطرة على عاصمة الجمهورية مدينة (لاشين) وجميع القرى التي تشكل منطقة لاشين في 17 مايو 1992، وهذا ما دفع كل السكان الأكراد والمقدر عددهم بـ (64) ألفاً إلى مغادرتها عبر ممر آمن بين أرمينيا وناغورني كاراباخ. وكان السكان العزل في لاتشين في موقف للدفاع عن المنطقة ضد القوات الأرمنية التي كانت متفوقة عسكرياً ويحملون أسلحة الروسية أكثر تطوراً، لذا انسحبت القوات الأذربيجانية غير المنظمة المسؤولة عن الدفاع عن لاتشين دون تقديم أي مقاومة كبيرة، والأسباب الجذرية للهزائم العسكرية في أذربيجان في حرب كاراباخ لا تزال تناقش على نطاق واسع في أذربيجان، وكل جماعة سياسية تلقي باللوم على الطرف العسكري الآخر لما سببته الحرب من عواقب وخيمة أسفرت عن احتلال 18-20% من أراضي أذربيجان بما في ذلك أراضي جمهورية لاشين الكردية (كردستان الحمراء). ويكفي أن نقول إن الصراع على السلطة في باكو قد أثر على معنويات وحدات الجيش الوطني وانقسامه، وساهم في تحقيق الانتصارات العسكرية للأرمن على الأذريين. 

       بعد استيلاء القوات الأرمينية على لاتشين، احتلت بقية المناطق الكردية ففي 27 مارس 1993م هاجم الأرمن كيلبيجار (kellbajar) من ثلاث جبهات، وذكر (شامل ارسكيروف) المدير السابق للمتحف الكردي في كلبيجار أن الأرمن كانوا يطلقون قاذفات الصواريخ من طراز (غراد) علينا، وكان طريق الهروب كانوا يطلقون قاذفات الصواريخ من طراز غراد علينا، وكان طريق الهروب الوحيد هو طريق جبلي ضيق عبر ريدج Murovdag. وكان الشباب وكبار السن والأطفال يسيرون عبر الجبال بين الثلوج والصقيع(26).

      كان احتلال (كيلبجار) له أهمية إستراتيجية أقل مما كان (لاتشين) أيضاً، ويبقى هذا الاحتلال موضوعا للمناقشات الطويلة بين الأكراد، فهناك فرضية غير مؤكدة تقول إن الرئيس الأذري (أبو الفضل الجي بيك) أبقى عزل مدينة (كيلبجار) عن قصد لقتل عصفورين بحجر واحد. الأول: ستقدم للعالم أن الأرمن ارتكبوا إبادة جماعية بحق أكراد كيلبجار. وثانياً: لن تكون هذه فكرة سيئة في التخلص من الأكراد وسحقهم مما يعزز هوية أذربيجان التركية ويخلصها من الكرد، لكن الأرمن تنبهوا إلى الأمر فأبقوا ممراً آمناً لفرار السكان الأكراد من (كيلبجار) عبر طريق جبلية وعرة لتكون المخرج الوحيد لهم إلى أراضي أذربيجان، وبذلك يتجنبون الوقوع في الفخ الذي نصبه لهم الرئيس الأذري من حصول مذبحة جماعية بحق الأكراد في المنطقة، ومما يعزز وجه النظر هذه أن الرئيس الأذري استبدال (رزاييف Rzayev) المسؤول عن الدفاع عن جبهة كيلبجار والمعروف بالإنجازات العسكرية الكبيرة بقائد غير كفء، ووضعه في الخط الأمامي الأقل أهمية من الناحية الإستراتيجية. وبعدها تم احتلال زنجيلان، جوبادلي، و Cebrayilفي وقت قصير للغاية خلال عام 1993م.

      لكن المفارقة في هذه الحرب والمؤلمة حقاً والتي لن يغفر لها التاريخ الكردي أن الإيزيديين الأكراد الذين يعيشون في أرمينيا قاتلوا مع الجيش الأرمني وكانوا جنوداً شرسون في المعارك ضد أخوتهم من الأكراد المسلمين في منطقتي لاشين وكلباجار، وساهموا – بكل أسف- في طردهم من أراضيهم وتشتيتهم في مختلف أرجاء أذربيجان بدلاً من حمايتهم أو احتضانهم في بلادهم.

     لقد سحب (سوريت حسينوف) قائد اللواء 705 قواته من الجبهة قبالة خط أغدار مارداكيرت = line Agdare/Mardakertاحتجاجاً على طرده من قبل الرئيس أبو الفضل الجي بيك. وفي غضون ذلك، استفادت قوات ناغورني الأرمنية من الوضع وعادت إلى الوراء لسيطرة على خط أغديري ماردكيرت والعديد من القرى، ثم المضي قدماً نحو (كيلبجار) بشكل سريع. وكانت القوات الأذربيجانية المتبقية تتراجع في حالة من الفوضى والاضطراب من دون أي مقاومة في كيلبجار، بل كانت هذه القوات المنهزمة تتقدم المدنيين الأكراد العزل بدلاً من الدفاع عنهم.

        اضطر القائد الأذري (سوريت حسينوف) في نهاية المطاف إلى الهرب إلى قريته الأصلية كيليكي ناخشيفان بعد سقوط كيلبجار. وفي نهاية الحرب تم طرد جميع سكان كردستان الأكراد من أراضيهم من قبل الجيش الأرمني في وقت قصير خلال عام 1993م. ومعظم هؤلاء اللاجئين الأكراد استقروا في المدن والقرى الأذرية كلاجئين مؤقتين، وهناك أجبروا على التجنيد القسري في الجيش الأذربيجاني.

     نتيجة لهذه الهزيمة القاسية التي حلت بالأذريين أطيح بالرئيس الأذري (أبو الفضل إلجي بيك) عبر تمرد عسكري بقيادة العقيد (سورات حيينوف) في عام 1993م، مما أدى إلى صعود الزعيم السابق لأذربيجان السوفيتية ونائب رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي السابق الجنرال (حيدر علييف) إلى السلطة في 15 يونيو 1993م – وهو كردي من منطقة نقشوان-،  وقام بالتفاوض مع القوات الأرمنية على وقف إطلاق النار في 22 مايو 1994م، وبذلك حفظ أذربيجان من الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد كلها، ومن تفتيتها في ذلك الوقت (27). 

   هكذا انتهت (جمهورية لاتشين الكردية) بالفشل الذريع، ومن أسباب فشلها عدم وجود دعم جماهيري كردي من أبناء المنطقة لفكرة الدولة الكردية، و عدم وجود أي دعم معنوي ومادي من الخارج، فقد كانت فكرة إنشاء هذه الجمهورية وليد سياسة أرمنية وروسية معادية لأذربيجان في حقيقة الأمر، حيث رفض غالبية الأكراد في لاشين وكيلبيجار هذه الجمهورية الجديدة بحجة اشتراكهم مع الأذريين في الدين والثقافة والأرض. كما كان الدعم الروسي والأرمني الموعود لهذه الجمهورية لم يكن سوى دعم لفظي فقط، ولم يقدما أي دعم مادي لها، بل ساهمت القوات الأرمنية في احتلال أرض الجمهورية الموعدة (منطقة نقشوان= كردستان الحمراء)، وطردت جميع سكانها الأكراد إلى داخل أذربيجان ليعانوا هناك مآسي اللجوء والفقر، ويتعرضوا لطمس هويتهم من قبل السلطات هناك.

     للأسف نقول إن التاريخ كرر نفسه مع أكراد نقشوان وكيلبيجار (كردستان الحمراء) عندما رفضوا فكرة (جمهورية لاتشين الكردية)، وفضلوا البقاء مع أخوتهم الأذريين، والنتيجة كانت فقدانهم لقراهم ومدنهم ومساكنهم وأملاكهم، وهاهم يعيشون كلاجئين داخل أذربيجان، ويتعرضون لطمس هويتهم الثقافية واللغوية، حيث فقدوا لغتهم وجنسيتهم الكردية.... وهذا يذكرنا بما حل بأكراد تركيا الذين رفضوا عبر زعمائهم وممثليهم في البرلمان التركي عام 1923م عرضاً أوروبياً بدولة مستقلة في شرقي الأناضول وفق نصوص (معاهدة سيفر)، وفضلوا البقاء مع أخوانهم الأتراك ضمن الدولة التركية الحديثة، وبعد مرور سنتين فقط انقلب الأتراك عليهم وتعرضوا الى التهجير والقتل وإنكار جميع حقوقهم الثقافية واللغوية،ولا يزال أكراد تركيا الى اليوم يلهثون وراء حريتهم التي سلبها منهم ذلك الأخ...ويدفعون ثمن باهظاً لسذاجة وقصر نظر أجدادهم الذين رفضوا معاهدة سيفر.

     نتيجة لفشل هذه الجمهورية اضطر رئيسها (د. وكيل مصطفاييف) إلى طلب اللجوء السياسي إلى ايطاليا في نفس العام 1992م، وهناك كتب عن هذه التجربة المريرة بالتفصيل كتاباً بعنوان:"تاريخ كردستان قفقاسيا"(28).

     لقد سجلت تجربة الجمهوريات الكردية: (جمهورية كردستان الحمراء 1923-1929م), و(جمهورية لاتشين 1992م)، و(جمهورية مهاباد 1946م) التي وقفت الدولة السوفيتية وراء تشكيلهن في البداية، ثم تخلت عنهن بعد ذلك، وتركتهن يواجهن مصيرهن المحتوم عندما انتفت مصالح الروس الخاصة من وجودهن ... وهذا يبين لنا بأن الحليف الروسي لا يمكن الاعتماد عليه، لأنه استخدام الورقة الكردية مثل غيره كأداة لخدمة مصالحه فقط، وهذا ما دعا القائد مصطفى البارزاني الذي حنكته التجارب الى القول:" أن الاعتماد على القوى الخارجية أمر لا يعول عليه".

     أضف إلى ذلك عدم نضوج قادة الثورات الكردية في حلبة المفاوضات والمناورات مع الخصوم، وضعف قدراتهم في مجال التخطيط والتنظيم السياسي والعسكري، وعدم وجود الوعي القومي والسياسي لدى الجماهير الكردية للالتفاف حول قيادتها في هذه التجارب التحررية المفصلية، وهذا الواقع دفع أحد الغربيين إلى القول:" إن ما يكسبه الكردي في ساحة المعركة؛ يخسره على طاولة المفاوضات".

 

 

إعداد: د. محمد الصويركي الكردي.

لندن/ بريطانيا

رابط الجزء الاول

http://www.semakurd.net/article/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%...

 

يتبع الجزء الثالث: