Share |

الأيزيدية بقايا الميثرائية في الحضر وكردستان العراق ...للعلامة توفيق وهبي

لقمان محمود

 

 يميل العلامة توفيق وهبي إلى الاعتقاد، بأن الأيزيدية هم ورثة جزء كبير من معتقدات الميثرائية، و ذلك من خلال كتابه القيم "الأيزيدية بقايا الميثرائية"، حيث يتضمن هذا الكتاب آراء علمية عن وجود آثار الميثرائية في المنطقة الواقعة بين نهر دجلة وسلسلة جبال زاغروس، بقراءة موسعة لديانة الكرد منذ البداية وحتى ظهور الاسلام، مع بعض الملاحظات حول قسم من المذاهب ذات الأسرار الباطنية لهذه الديانة.

   وأياً كان الامر، فالجذور الدينية الايزيدية، امتداد طبيعي لكثير من المؤثرات الميثرائية التي تمتد إلى الكثير من الطقوس الدينية والاجتماعية و الاقتصادية عند الايزيديين، مثل طقس حفلة سما، وعيد القاباغ، وطقس مهارشة الثيران، ووليمة جل ميران، وطقس القربان المقدس، وطقس التعميد، وطقس البرات.

   بل أن هذه الدراسة تصل مداها من خلال مقارنتها ومقاربتها بين الآلهة الأيزيدية والميثرائية. حيث يتضح أن الأيزيدية لا يعرفون آلهة أخرى غير الملائكة السبعة المجسدين في شيوخهم السبعة الممثلين في الكواكب ذات العدد سبعة، المستمدة من الآلهة الميثرائية السبعة.

   فالارتباط المحتمل بين الايزيدية والميثرائية يتمثل بالدرجة الأولى في الإله (ميثرا) الذي سبق أن عبدته الشعوب الهندو ايرانية في موطنها الاصلي، وهو الاله الذي حملوه معهم في حلهم و ترحالهم، وقد جاء ذكر هذا الإله في أقدم الكتب المقدسة (ريك فدا) باسم (ميثرا)، وفي أفستا باسم (ميثرا)، حيث وصف بأنه النور-  حامي الحقيقة وعدو الكذب والخطأ.

   ويعتبر (ميثرا) واحداً من تلك الآلهة التي ظلت عبادتها في أيران، رغم أن زردشت كان قد ألغاها. حيث حورت كلمة (ميثرا) منذ القرن الأول بعد الميلاد إلى (مهر) فأصبح بذلك (مهر) إله الشمس.

   وتجدر الاشارة هنا، إلى أن ظهور الميثرائية كانت نتيجة اتصال طبقة الكهنة الفرس بالكهنة البابليين بعد غزو كورش الأكبر لبابل عام 539، ق.م.

   و للتعمق في آثار الميثرائية بين الكرد الأيزيديين، نجد أن الايزيديون كانوا من أتباع الديانة الهندو إيرانية. ومن المحتمل أنهم – الأيزيديون – قد مارسو حتى ظهور زردشت في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد الأديان التالية:

   أولاً: الديانة الهندو إيرانية التقليدية التي سادت في أيران، و هي عبادة ديفا.

   ثانياً: قدس الإله الشريف (ديفا)، بالإضافة إلى عفاريت الهندو إيرانية (ياتوس).

   ثالثاً: عبادة (آهورا) و (ديفا).

   من خلال هذه الآثار – آثار الميثرائية – في اللاهوت الأيزيدي يتوقف المؤلف توفيق وهبي عند أهم الأعياد في الشعائر الايزيدية التي تقام في كل فصل من فصول السنة، وهذه الأعياد هي كالتالي:

1 – عيد الربيع: وهو يوم واحد، الجمعة الأولى من شهر نيسان.

2 – عيد الصيف: يستمر هذا العيد مدة ثلاثة أيام (18- 21) تموز.

3 – عيد الخريف: يستمر سبعة أيام، ابتداءً من 23 أيلول.

4 – عيد الشتاء: يوم واحد، الجمعة الأولى من شهر كانون الأول.

   إذا ما أخذنا هذه الأعياد وفقاً للطقوس و الشعائر الجارية، سنجد أن (عيد تناول العشاء الرباني) أهم و أشمل عيد بين جميع أعياد الأيزيدية، وهو عيد معروف  بعيد (جماعية)، حيث يقيمون فيه شعائرهم طيلة سبعة أيام متواصلة.

   وهنا يشرح المؤلف بعض هذه الطقوس والشعائر الجارية خلال هذا العيد، بالاستناد على آثار الميثرائية فيها، كما في عيد القاباغ. حيث يقوم الايزيدي في هذا العيد، وتحديداً في اليوم الخامس من تناول العشاء الرباني، بطقوس فريضة (القاباغ). حيث تتسلق جماعة منهم قمة الجبل المشرف على مرقد الشيخ عدي، مع إطلاق النيران احتفالاً بابتداء الحفل، ثم تنزل إلى مرقد الشيخ عدي بالدبكات و قرع الطبول، بينما يحضر (مير شيخان) ثوراً ضخماً، ويسأل الحاضرين حمايته عن كل مكروه. فيستلمه شبان مدججون بالسلاح، ويأخذونه إلى مزار الشيخ شمس الدين قاطعين الوعد بإعادته إلى مرقد الشيخ عدي سالماً معافى من كل أذى.

   إن الشيء الواضح في هذا الاحتفال هو الثور الذي يضحى به، وبذلك يمكننا القول إن هذا الاحتفال – بحسب المؤلف – يتعلق بميثرا، ويعتبر صورة محرّفة لاسطورة قيام ميثرا بأسر الثور وذبحه.

   وللتأكيد على أن الايزيدية هم بقايا الميثرائية، يؤكد المؤلف أن الايزيدية ليسوا بعبدة الشيطان، وذلك بمقارنة موضوعية بين طاووسي ملك والشيطان، ومن هذه المقارنة نجد أن:

– طاووسي ملك، هو انبعاث من ذات الله، أما  الشيطان، فهو جن مخلوق من النار.

– طاووسي ملك، ملازم لله لحفظ العالم وصيانته، أما الشيطان فهو مطرود و دنيوي ودنس و ملعون و مغضوب عليه.

– طاووسي ملك ليس عدواً للبشر، أما الشيطان فهو عدو للجنس البشري.

– طاووسي ملك له قدرة إلهية على الانسان، أما الشيطان فلا قدرة له على الانسان.

– طاووسي ملك لا يضلل و لا يخدع البشر، أما الشيطان فأنه يضلل و يخدع البشر.

– طاووسي ملك، إله أزلي و أبدي، أما الشيطان فأنه بشري و مصيره الموت.

   وعلى الرغم من أن الأيزيدية قد بحثت ودرست على مستوى الآخر، بأنها دين الشيطان، إلا أن حقيقة الديانة الايزيدية ونصوصها المثبتة تجعلنا أمام لوحة مغايرة. فالإله الايزيدي (طاووسي ملك) هو إله كوني شمولي في خيره وفي شره، في نوره وفي ظلامه. بإعتباره إلهاً كلي القدرة في الديانة الايزيدية، إلا أنه – ورغم كل ذلك -  لا يزال كفكرة لاهوتية أصلية، يعوم في جو من الضبابية والسرانية الملغزة، سواء على مستوى الباحث الخبير، أو على مستوى المؤمن المستسلم لقدره.

 

                    هامش:

                            الكتاب: الأيزيدية بقايا الميثرائية

                           المؤلف: توفيق وهبي

                           المترجم: شوكت ملا اسماعيل حسن

                           الناشر: دار سردم للطباعة والنشر، كردستان-

                                    السليمانية 2010