Share |

العلاقات الأمريكية الكردية... د. محمود عباس

 

  أثارت تصريحات السفير الأمريكي السابق لدى سورياالسيد (روبرت فورد)الكثير من اللغط، وخلقت الشكوك،لاحتوائها على الكثير من الحقيقة.فالواقع السياسي وتداخل المؤسسات البعيدة عن المناطق الساخنة من جغرافية جنوب غربي كردستان،

تعكسها، فمن مدينة قامشلو وحتى عفرين لا تزال حضور المربعات الأمنية لسلطة بشار الأسد ومعهم الفصائل الإيرانية ظاهر لكل سكان المنطقة، وليس صعبا عقد مثل ذاك الاجتماع في وسط قامشلو أو الحسكة أو أية مدينة كردية، والمسوغات كثيرة، وأهمها أن المنطقة بمدنها جزء من سوريا وتابعة للمركز إدارياً. ولأن معلوماتهأحيت في الذاكرة ليس فقط خيانة الحكومات الأمريكية للشعب الكردي، ونفاق بعض الدول الكبرى التي استعمرت المنطقة في القرن الماضي، تم الرد عليه بشكل سريع من إدارة البيت البيض، بأن أمريكا تخطط لإقامة منطقة آمنة في سوريا، ونوهت بشكل غير مباشر بأنها قد تكون المنطقة الكردية، وهذه الرسالة تشبه الرسالة التي وجهت لتركيا أثناء قصفها لجبل قراتشوخ، وتسييرها ثلاث مدرعات عسكرية على طول الحدود مع تركيا، لتطمين الكرد والاستمرار في محاربة داعش.

 مع ذلك فأنه حديث لسياسي محنك، ويجب دراسته بتمعن، فقد أيقظحقيقة كثيرا ما نتغاضى عنها، وهي سذاجتنا في العلاقات السياسية والدبلوماسية، وعدم نضوجنا كأمة لها الإمكانيات على تسيير كيان مستقل، وبساطتنا في تعاملاتنا مع الدول الكبرى، وتيهنا ما بين النظرية والتطبيق للمفاهيم الحضارية والديمقراطية. وبالتالي يكشف عن رؤية الأخرين لنا، والتي هي نفس الصور النمطية السابقة التي رسختها في ذهنهم السلطات الإقليمية وعلى مدى القرون الماضية، ويوضح بأننا لا زلنا، ورغم المكتسبات، دون سوية التعامل مع المؤشرات الجارية المبينة على أن أمريكا وروسيا لهما نية على إقامة كيان كردي، ومصالحهما في المنطقة تتطلب ذلك، فأين نحن الكرد من هذا؟في واقع يتبين وكأنهم يودون تبيان أن مصالحهم مع السلطات الإقليمية أصبحت مستهلكة ولم تعد لهم منها فائدة، وقد يرجحون الكرد على حلفائهم القدامى، إذا كنا على قدر المسؤولية.

 ومن جهة أخرى، فحتى إذا نظرنا إلىحديث السيد روبرت فورد، على أنه شخصي، ومن منطق محلل سياسي، سيظل في الواقع كاشفاً عن عدة مؤشرات:

   أولها،أن الصراع الأمريكي الداخلي يتفاقم، وخرج من نطاق الجغرافية السياسية الأمريكية، وكلماته تندرج ضمن دروب محاربة إدارة دونالد ترمب، والمقادة من الإعلام الديمقراطي قبل الحزب الديمقراطي، والتي بلغت سويات لم تظهر مثلها في التاريخ الأمريكي.

 وثانيها،أنه يكشف عن خطط تكتيكية بين أمريكا وروسيا حول المنطقة وعلى سوريا بشكل خاص، وإذا لم يكن الكرد على سويتها،وانتهت مصالح أمريكا معنا بعد دحر داعش، ولم نتدارك ونجهز ذاتنا إلى ما يحذرنا منه السيد روبرت فورد فمستقبلنا سيكون كماضينا.

  وثالثها،تنبيه للكرد، وهي خدمة مجانية، بأن السياسة مصالح، ونحن الكرد بعدم نضوجنا دون سوية التمييز بين سياسة المصالح ومصالح السياسيين.

   وحديثه لا تعني أن نبتعد عن الدول الكبرى، إن كانت أمريكا أو روسيا، بل أن نتعامل وحتى نخدم مصالحهم، وندمج مصالحنا بمصالحهم، ونمتن علاقاتنا، لكن شريطة ألا ننجر وراء عواطفنا، وعلينا أن نحسب لكل طارئ دون صدمة، ونكون مهيئين لكل تغيير.

ومن جهة أخرى، يود أن يبين ليس فقط للكرد بل وللدول الإقليمية وخاصة تركيا، أن العلاقات الأمريكية الاستراتيجية سوف لن تتبدل بهذه الخطط التكتيكية المرحلية. مع كل هذا ويبقى السؤال:

1-    هل رسالته هذه رسمية، أم إنها مجرد رؤية ذاتية صدرت تحت تأثير نهجه الحزبي، والأيام التي كان فيها سفيراًدون أن يقدم أية خدمة للقضية الكردية، أيام كان متأثراً باللوبي العربي التركي، ولربما اليوم يعاتبه ضميره فيوصي الكرد بشكل غير مباشر، بقادم يراه ونحن لا نراه، وعلينا أن نشكره عليها.

2-     وهل الرسالة تحتضن لهجة موجهة إلى القوى المعارضة السورية، بعدم الثقة بالإدارة الأمريكية الجديدة، وكأنه اعتذار عن مجريات الأحداث.

3-    وفي الواقع لا يستبعد أن تكون رسالة غير مباشرة للقوات الكردية في الإقليمين، بأن يكونوا على حذر في علاقاتهم، ويخططوا لمستقبلهم بدراية وأن لا يقعوا في نفس الأخطاء التاريخية الماضية، ولا يستندوا بكليته على طرف دولي دون آخر، وهذه تعتمد على مدى النضوج السياسي الدبلوماسي الكردي.

صدر تصريح السفير السابق، ضمن مجريات متسارعة في المنطقة، سياسية وعسكرية، وفي معظمها أصبح الكرد النواة، في المنطقة، فالخلافات بدأت تظهر بين أمريكا وروسيا، وكل طرف يحرض أدواته على أجندات، وهي نابعة من الفراغ الحاصل بعد غياب في الحوارات السياسية، بين وزارتي الخارجية، الأمريكية والروسية، والتي عادة يتم فيها الاتفاق على مجريات الأحداث، لكن وبعد مجيء إدارة ترمب فاللقاءات بينهما لم تبلغ سوية الفترة السابقة.

وبدراسة تصريحات وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف قبل شهرين وأكثر، عندما اتهم قوات سوريا الديمقراطية بأنها اتفقت مع داعش وعليه خرجت مجموعة من داعش لمهاجمة القوات الروسية في تدمر، كشفت مجريات الأحداث الأنعن غاية التصريح، علماً أنها كانت مطعونة في مصداقيتها بناءً على الماضي، عندما تم استلام وتسليم مدينة تدمر مع القاعدة الروسية العسكرية، بسلاحها ودون عطب.

 ففي هذه الفترة، تتبين أن الخلافات بين أمريكا وروسيا، ليست على التعامل مع القوات الكردية، بل على المنظمات المعارضة المسلحة، وعلى داعش، والفترة الزمنية التي يجب أن يتم فيها حجمهم، وتقليص تحركاتهم، أو القضاء على بعضهم. فأمريكا تتسارع في هذه العملية، وتزيد من المساحة الجغرافية التي يجب أن تدرج ضمن الفيدرالية المتوقعة بأنهم مزمعون على إقامتها، والروس، لا يزالون مصرين على دستورهم، وأن تكون سوريا دولة بإدارات ذاتية، تابعة لسلطة ما بين المركزية واللامركزية، أي مثال روسيا الفيدرالية بدون مصطلح الفيدرالية، وعليه تطمح أن تستمر وجود المعارضة وداعش إلى أن يتمدد سلطة بشار الأسد ثانية على أوسع قدر من الجغرافية السورية، وعليه فعملية تحرير الرقة بهذا الشكل السريع ليست في صالح روسيا وسلطة بشار الأسد ولا لإيران، مثلما كانت في صالحهم تنقية العراق من داعش.

  وهنا كانت القضية الكردية على المحك بين السلطات الإقليمية، ففي العراق أرادوا بها إيقاف تمدد البيشمركة في جغرافية كردستان أو المنطقة المتنازعة عليها، وقد اشتركت فيها كل القوى على ألا يقترب البيشمركة من الموصل، وكانت هناك خطط لتطبيق نفس الأسلوب مع الكرد في سوريا فحاول الجميع وعلى رأسهم تركيا وقطر بعدم تحرير الرقة عن طريق القوة الكردية، وعلى الأغلب فقادم الرقة هي ضمن المنطقة الفيدرالية الكردية، ولا يستبعد أن تبلغ الفرات الأوسط على تخوم دير الزور، وحتى البحر المتوسط، وهي من مطامح إسرائيل وأمريكا وتلبي مصالحهم قبل أن تكون غاية الكرد.

 وللحد من التمدد الكردي في حيزه الجغرافي، وزعزعة العلاقات مع أمريكا، كان التوجه الروسي وقوات السلطة نحو الرقة، فكانت ردة الفعل، إسقاط الطائرة السورية، والتي هي في الواقع رسالة أمريكية مباشرة للتحالف الثلاثي روسيا وسلطة بشار الأسد ولإيران على رسالتهم التي نفذت بالصواريخ الإيرانية ومن كردستان الشرقية على دير الزور، علما أن أيران قصفت مناطق داعش لكن عمليا كانت صداها موجهة إلى آذان إسرائيل وأمريكا والقوات الكردية. أمريكا مهدت لإسقاط الطائرة بتصريح دبلوماسي، بأنها لا تود محاربة قوات سلطة بشار الأسد ولا الروسية أو الإيرانية، إذا لم تدخل في مجال طيران التحالف، أو تتعرض إلى القوات الحليفة لها، وهدفها الأساسي داعش.

 مع ذلك وبناءً على هذه التضاربات سوريا تنجرف إلى معترك صراع جديد، خاصة وأن صوت المعارضة المسلحة تكاد تخمد، بعد أن جمعت معظمها في منطقتي إدلب ودرعا، وهم الأن أضعف من أن يواجهوا القوات الروسية وسلطة بشار وأداتهما، وعملية عدم القضاء عليهم كلياً مدروسة ولغاية، كما ذكرناها سابقاً.وأن الاتفاقية ما بين أمريكا وروسيا، سيكون على مستقبل سوريا، وتقسيماتها الإدارية، ما بين الفيدرالية الأمريكية، والإدارات الذاتية الروسية، ويكاد يكون من شبه المؤكد أنه لا أمريكا ولا روسيا سيخرجان قريبا من سوريا، وكل طرف سيعزز أقدامه في جغرافية وبسند من قوة محلية، والكرد في هذا الخضم، يكاد يخرج بجغرافية فيدرالية، إن كانت أمريكية الصبغة، أو روسية أمريكية، وبالشراكة الأخيرة ستكون الجغرافية الفيدرالية على فضاء أوسع. فيما إذا كنا على قدر كاف لحمل هذه المسؤولية، ولذلك لا بد من تهيئة البنية السياسية الدبلوماسية، وعلى الشعب الكردي أن يدفع بالإقليمين لخلق تقارب، وتأجيل الخلافات الكبرى بينهما.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

20/6/2017م