Share |

القص الشعري والتوالد الصوري في "مساء الأناناس“.... شاكر مجيد سيفو

يستهل الشاعر حسن سليفاني مجموعته الشعرية  الجديدةـ مساء الأناناس ـبمجموعة نصوص قصيرة هي: كاروخ ـ حصان ـ خفاش الليل ـ الضيف ـ كوخي ـ الشاعر ـ الذبابة ـ جلد الثور ـ أزهار ـ الجراد ـ أميرة ـ هويتك ،

إنّ هذا الاشتغال يتأتى بصيغة من صيغ التنوع في الكتابة الشعرية الحديثة وبغية إثرائها في توفر صيغ من الاجناسية النصية المتعددة الثرة، فالشاعر يمتلك خزينا معرفيا كبيراً يدفع به إلى ابتكار نصوصه الشعرية وتعميق مستوياتها الدلالية وابتداع صيغ الكتابة المختلفة والمتنوعة في أساليبها البنائية وصيغ عمارة النص  من طبقات تتوالد فيها الصور الشعرية الثرة ، تمثل نصوصه القصيرة التي يستهل بها مجموعته هذه مدخلا شعرياً يتمظهر في بنيات العتبات النصية وتؤسس للمتن الداخلي لها ظهيراً خفيا من بنية النص الاختزالي: (( داخل تجويف الصخر / تنمو أزهار موطني/ وشذا جذورها تنتشر في أروقة الجبل / أهنالك من يقتلع / جذور إنسان   هذا الوطن؟ ص12))(( أزهار)) تمثل بنى الاختزال والتكثيف صيغاً شعرية ترشح عنها المعاني في قوة وكثافة اللغة والفكر وايقونة الجمال اللفظي والمستوى الدلالي الذي يتمظهر عبر صيغ المعاني وتعددها: (( أيا أميرة لو سرحّتِ شعركِ / ذي الثلاث عشرة ظفيرة/ وجعلته ظفيرة/ هلاّ قلتِ لي: / كيف سيسرقُ يا أميرة؟ ص13 " أميرة " … يكشف لنا الشاعر حسن سليفاني في مجموعته الشعرية هذه، لا بل في معظم كتاباته تضافر القص الشعري الذي يحمل عبر اشتغالاته فيه صراع الانسان والوجود والطبيعة والجمال وانطولوجياه الشخصية واسئلته الكونية. فالنصوص تحفل بالمشكل الانساني الذي يدفع بتدليس القضية فالصور الشعرية التي يبتكرها الشاعر تحفل بالقص، وبروح السرد ونفحات الحكاية بروح صدقية عالية معاشة في سرودات الذاكرة الشعرية الممتدة في أعماق التاريخ باعتبار الذاكرة خزانة افكار وماضي وآثار تتسرب ليدفعها التخييل الى الوجود والتمظهر شعريا في بنى شعرية تحفل بالتوهج وتجاور المعاني المركبة بوظائف قائمة على الاحتفاء بالذات والاخر كما نقرأ في متن نصه الجميل "الثلج" ص14 ] ثلج …. ثلج / على الصخور والاشجار العارية / في أعشاش الطيور / والجبال العالية / ثلج …. ثلج …./ على بقايا جدران الطين في رافينا / ثلج … ثلج ص14[. تتعدد بنية الاشتغال الشعري في هذا النص، فمن الوصف والتصوير الى بنية السير ذاتي الشعري، يؤسس الاسترسال والتوالد الصوري للمفردة الشعرية بجمالياتها إذ تنفتح هنا آفاق قراءة النص بصيغ شعرية جمالية تتركب بناها الشعري من طبقات بوعي وإحساس جمالي راقٍ متخيل متوهج بفيوض المعاني والدلالات تتجاوز معنى واحداً، حيث يدخل المعنى في معنى آخر لتتخلق المعاني بمستويات دلالية متشعبة تدخل في تركيب الرموز والشخوص المختلفة من عتبة النص الأولى في صيغة الاهداء إذ يجعل هذا الإرسال الى التوهج الاولي الحاضن للمتن القائم بوشائج لسياقات معرفية ثرة تقترب من اليومي في شفراته المركزية التي تحيل الرموز الى أيقونات شعرية معبأة بالدلالات الثرة: " أحقاً عطبٌ ما أصاب عربة اللبلبي يا قوجان؟ / أمهمومُ، ملعون، ليل نهار؟/ أفلاح أنت تسابق الريح والمطر لتحرث أرضا تكاد تنكر لون عينيك / وعقداً صفراء في باطن كفيك / أم ماذا؟ ص16" تكاد الحادثة النصية في هذا النص تصل الى ذروة شعريتها في إمساك الشاعر باللغة الرشيقة الشفافة، في أسئلته التي تتراسل مع الأشياء والطبيعة والوجود والأخر، إذ تبدو كلها إنعكاسات لحياة قاسيةِ لهذا وقعت النصوص بثرائها المعرفي والجمالي إلى نقل المعاناة الإنسانية في توهج المعاني واللغة على حدّ سواء. إن معمارية النص تحيل الى التداخل والتوازي بصيغ المقاطع التي تتوزع فيها البؤر المركزية الشعرية، وقد جاء هذا في تعدد البنى النصية لمعمار النص حيث تجسدت المعاني في تحريك المفردة بقوة باشعاعها الشعري وايقونيتها الجمالية المتوهجة: (( ها هو فستان العرس/ قد أرسله الله، أما ينهض موتى هذه الديار؟ / لنكسرها، ونرحم عريها / ونردم بركة العار؟ ص15)) تمتد البنى النصّية لتشكل أهراماً شعرية، حيث تتخذ صيغ التكرار، فالمكرور النصي هنا تدفعه مفردة الثلج بقوته الايحائية لتأسيس الحادثة النصية التي تتشاكل في نسيجها ومعناها الشعري رؤيات القص الشعري التي يتميز في خلقها العقل الشعري والجمالي معاً: "ثلج … ثلج / لا أشجار جوز / لا أغصان بلوط / لا لون للغيوم / لا للسماء / بياض … بياض / بندقية / خيمة / وهواء الثلج يسري في دمي / في كوردستاني ص 16  ينشغل الشاعر بهمومه الوجودية بحرارة  ويقدم صوراً من ملامح الحاضر القاسي حتى في  توظيف اليومي متجاوراً مع التاريخي في نسق من سيميولوجيا الدلالة بايحاءات وعلامات شعرية تتمظهر في تجلياتها الصورية بآثارها الميثيلوجية والعرفانية وحتى الواقعية في ترسيمة شعرية تتراسل في بناها الشعرية أيقونات تشكيلية واثارية وصورية وحلمية ودرامية  تعكس رشح الذاكرة الشخصية والجمعية وقد تجسدت قراءتنا هنا في تلافيف هذا النص (( فراشات تحمل عيون الموتى / تحوم حول بساتين عباد الشمس الشاسعة / والايزديات بفساتينهن الطويلة , / يغازلن الشمس المسافرة في فضاء الصباح ص 18 . ان ما يملكه الشاعر من خزين معرفي وميثيولوجي يكاد يكون ضاغطا ومضافاً للتوهج الشعري الذي يتشكل في دائرة إشعاع النص بمتنه الداخلي وظهوراته وتراكيبه العميقة في تعبيراتها المتواشجة المتوهجة بفيوض المعاني العميقة : (( صبيةٌ يتفننون في تشكيل دوائر هندسية للبطيخ عبر جانبي الطريق / أشواك صفراء تسخر من النسيم المداعب / لخصلات شعري القصير / عبر زجاج الحافلة الصغيرة أنياب كهرباء . ترتفع عن الارض رماحأ / تلفونات بلون العشب عاطلات / صباح الخير / لم نقلها لبعض / لا أنا ولا الجالسة جنبي / الغارقة في وهم النوم , بهتاناً / إذن – صباح الخير يا قلبُ / يا قلبي .. ص 18 صباح الخير يا قلبي )) تأخذ الجملة الشعرية خاصيتها الدلالية في ابعاد الانزياح الذي يستثمره الشاعر بلغته الرمزية والايحائية , فالمفردة تقود شعرية الجملة الى الاشباع النفسي والاسطوري في وحدات نصية تتشكل عبر مشهدية شعرية تقترب في ملامحها وسيميائيتها من فن السينما : (( هوذا قبو )) شين,, الذهبي / أسفل الارض بأمتار / نحن / الان ترقد جواربنا بأمان في احذيتنا المركونة لصق الحائط المعفن / لاحديث الان , الا عن الفاتنة المقيدة / بجبال من حرير المموَّه / ارتشف "فاء" أخر جرعة من ماء الحمص . / و "شين " ما يزال يبحث عن الشبه الشامل بين شِعرِهِ/ وما كتبه دياكو الشيخاني / …. نرفع الكؤوس تستمر السهرة / ولاتنتهي ككل مرة . ص22 (( مساءً في قبو شين الذهبي )) يمنح معامل السرد وقواه خاصية الدلالة في تدفقها وتراكمها في شفرات تقود القارئ الى عملية الاستنباط والتأويل لاكتشاف شعرية النص , فكل صورة هي ثيمة تتحول الى وحدة شعرية تؤرخ للفكرة الشعرية في محمولاتها الذهنية والعاطفية والأركولوجية حين يمنحها الشاعر نفحة من كيمياء اللغة الشعرية تضخ المفردة من خلالها شعريتها وترشح عبر الانزياح في مستويات متعددة , تبدأ بالمستوى الإخباري وتنتهي بالمستوى التخييلي عبر أسئلة يطلقها الشاعر للواذ في تلافيفها حرصا على الذات الشعرية والأنا العارفة بأسرار الصنعة الشعرية وحبكتها وأسرارها وصيرورتها العميقة : (( طار الفرح لعينيها , بل طارت هي الى السماء المعطر بأنناسها / الذي استيقظ في فمي ودمي في أن , كنت ترقب زهوها / ونور الورد في وجنتيها / كنت ترقب تدفق الحياة الثانية في ثناياها / وعيناك تقول : / هاهي تستعيد وجهها المألوف . / وتتألق كزهرة بأحد عشر حرفاً نعرفها معاً / تتقن القول بلا قول / أن الحياة هي هي .. ص34 (( مساء الأناناس . )) يُشيدّ الشاعر مشهديته الشعرية على تنافر وتجاذب معادلات ثنائية في تراسل الحواس وقوة المخيلة الشعرية , فالنص في تجربته محتشد بالحركة , حركة الفعل الشعري بروح الجمال ومقياس العاطفة والفكر وتجاذبهما في لحظة الخلق , نص الشاعر يجنح الى روح المكان , الطبيعة الخلاقة التي تتوفر لرؤيته وأحلامه وطفولته وتذكاراته , بهذه الأعمدة يتشكل النص عمودياً يمتص الحياة امتصاصاً فلسفياً وسحرياً ويذوب شعرياً في جهازه اللغوي وكيمياء الانزياح في اللغة والمعنى : (( كانت النجوم تفتح أفواهها بأتجاهنا / وتسبنا على هواها .. ص46 "صورة مساء السبت" و (( تلك السيدة الحالمة مع الويسكي / يتهاوى / قرب قدميها مائة صوفي ص48 .. (( و : تلك السيدة التي تضع الأن يدها تحت رأسها / كم هي جميلة هي / ليتني كنت يدها .. ص51 )) .