Share |

تركيا – خيارات محدودة…بقلم : مروان سليمان

مروان سليمان
مروان سليمان

 

 

لم يكن الأمر خافياً عن النظام السوري مطامع الجارة الشمالية في الأقليم الكردي السوري و تصورات نظام أردوغان للوضع المستقبلي في المنطقة ما جعله يسيل لعابه و التمادي و التغول و لكنه لم يستطع أن يعمل أكثر من طاقته و كان بإنتظار موافقة الدول الكبرى مثل أمريكا و روسيا

و يبدو أن الدول الكبرى سمحت للنظام التركي بالتدخل العسكري ليس في سوريا فحسب و إنما في العديد من دول المنطقة من أذربيجان إلى ليبيا و يبدو أن أردوغان لم يدرك حجم الخسائر التي قد يتلقاها من جراء ذلك سواء العسكرية أو الإقتصادية، لأنه كان يريد حرباً سريعة و إنتصارات خاطفة لكي يبرهن لمعارضيه أنه كان على سياسة صائبة ما جعله أن يتخلص من المعارضين لسياسته سواء بالإعتقال أو النفي أو حتى القتل دون أن يغير مفاهيمه في الصراع و التنازل عن أطماعه القديمة و المستقبلية التي يستوجب القيام بعمليات عسكرية و حربية من أجل تحقيقها و توجيه بوصلته نحو الأطماع الكبرى في تحقيق إمبراطورية على غرار الإمبراطورية العثمانية فدخل في النفق الذي تفوق تكاليفه كثيراً عن خياراته التي رسمها لنفسه و كان من أهمها الإبقاء على جميع مصالحه محفوظة مع التمدد في الصراعات القائمة و دخوله على الخطوط مباشرة من دون سيطرته على سياسات تلك الدول إلا بشكل ضئيل جداً، حتى أصبحت تركيا تخاف من وضع الحلول للمشكلات القائمة لأنها ترى أن حل النزاعات تشكل خطراً على نظامها الذي لم يحقق مكتسبات تذكر ما عدا مزيد من العداوات مع جيرانها أو الدول الأوربية و حتى شعوب المنطقة و من حلفائها الكبار التي إعترفت في الأمس و أقرت بأن مذابح الأرمن في العهد العثماني إبادة جماعية.

 و لكن السؤال الأساسي هو: من أين تستمد تركيا قوتها و أهمية الدخول في الصراعات؟؟؟.

بشكل عام فإن الأنظمة الشمولية تتخذ من مبدأ السيادة الوطنية و عدم التدخل في شؤون تلك الأنظمة ستاراً للإنتهاكات السيادة الدولية فمثلاً تطالب تركيا بإحترام حقوق الإنسان في ليبيا و أذربيجان و تهدر حقوق الإنسان في تركيا و هذا ليس من العدل لأن حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ و لا يمكن فصلهما تبعاً للحدود الجغرافية التي تفصل الدول و بما أن هذه المعالجات الجزئية للمشكلة التي أصبحت تعني العالم كله و من صلب الإهتمامات الدولية فإن تلك الشمولية أسقط مبدأ السيادة المطلقة من حسابات الدول حسب القانون الدولي و لذلك تتدخل الدول الكبرى و تعطي لنفسها الحق عند حدوث الأزمات في بعض البلدان عندما تحدث  الكوارث، و هنا فإن هذا التدخل و شرعيته لا ينصاع للقوانين الإنسانية و إنما من حجم المشكلة أو الكارثة التي حصلت و لذلك فإن التمسك ببند السيادة الوطنية تمنح الحق الغير الشرعي للأنظمة الشمولية في التحكم بشعوبها كيفما تشاء.

إن الطرق و الممارسات اللاخلاقية التي إتخذتها الحركة الإخوانية التركية للوصول إلى السلطة كان لها مفعول السحر عندما أصبحت تعزف على الوتر الديني و الإرهابي الذي تحول إلى تلقين فكري عقائدي فأصبحت تثير إعجاب الجمهور و تعاطفهم مع حركتهم، و بما أن تركيا من البلدان الكثيفة السكان و ذات جمهور واسع فقد تم إستغلال تلك الطاقة البشرية لصالح الحركة الإسلامية المتمثلة بالرئيس أردوغان و هذا بالذات ما أعطاه الشرعية في ممارسة سياسة الإستبداد التام، و لكن لم يلتفت أحد على حجم العنف و البطش الذي مارسه ضد معارضيهم و ذلك بخلق عصابات على شكل عصابات الحشد الشعبي و عصائب أهل الباطل في العراق و استمر و تعاظم ذلك التعاطف حتى عندما قامت تلك الحركة بتوجيه بطشها تجاه جمهورها و ذلك خلال الإنقلاب المفتعل الذي أعتقل خلاله عشرات الالاف و فصل الالاف من وظائفهم و طردهم من الخدمة، و قد حصل كل هذا في ظل عدم الإستقرار و التردي الإقتصادي و الإنقلابات العسكرية المستمرة فما كان إلا أن يخرج أحدهم إلى الجمهور يعاني من سياسة العزلة و البعد عن السياسة لكي يكون مرشحاً لقيادة تركيا في المرحلة القادمة تحت الشعارات المتشددة تارة و الوعظ الديني تارة أخرى و بما أن تركيا كانت تعاني من الإنقسام المجتمعي و لذلك كان الظرف متوفراً لرجل مثل أردوغان يحمل الفكر الإستبدادي في تطور و صعود الحركة باسم الدين و الإسلام و تحت صور آتاتورك.

و سرعان ما أيقنت قطاعات واسعة أنه من الأكثر أماناً لهم مناصرة الحركة الجديدة و الإنضمام إليهم، فتحالفت النخب المثقفة مع الحركة الأردوغانية بسبب المعاناة التي عانوها في الفترات الماضية إثناء الإنقلابات العسكرية و حالة الإنقسام التي شهدتها تركيا في الفترات الماضية الذي كان فكرها مع الشرق و سياستها مع الغرب، و كانت الطبقة المثقفة سنداً قوياً للحركة الجديدة الذين أفتوا بأن كل ما كانت الحياة قاسية للإنسان كلما كان مركزه عالياً في الجنة في تناقض خبيث و هكذا حدث التحالف بين الرعاع و النخب و هذا التحالف كان بمثابة العمود الفقري للحركة الإخوانية التركية و قيادة الحركة الشمولية و لا زال التحالف قائماً و ما زال النظام الأردوغاني ينفذون مخططاته و جرائمه و إرهابه.

اليوم يبدو أن رجل تركيا المريض أصبح يشكل مصدر إزعاج لروسيا و يؤرق مضطجع بوتين بسبب الأزمة الأوكرانية و مزعجاً للأمريكان و للحلف الأطلسي بشكل عام بسبب أزمة الصواريخ الروسية و إفتعال الأزمات مع الجارة اليونانية بالإضافة إلى تربيته للإرهابيين الذين يعكرون صفو القوات الأمريكية في شرق الفرات أي في المنطقة داخل كردستان سوريا و لذلك يبدو أردوغان ذليلاً من خلال إتصال بالرئيس الأمريكي الذي وعده بالجلوس معه مطولاً لبحث ملفات مهمة منها العلاقات بشكل عام بعد الإعتراف الأمريكي بالإبادة الجماعية للأرمن و التطهير العرقي.                                                                                     فهل يتم وضع حد للغطرسة التركية بقصقصة أجنحته أو التخلص منه ديمقراطياً على حد تعبير بايدن؟؟؟؟،                             و هل يتم قبول أردوغان لجميع الشروط الأمريكية من أجل التخلص من أزماته؟؟؟؟؟.

مروان سليمان

السلك التربوي –ألمانيا          25.04.2021