Share |

حب يختلس لحظات يومية على حواجز شبيحة الأسد

انهالوا عليه بالضرب ورموه على جنب الشارع وأنقذته هي مدعية أنه أخوها
رسم لياسر الأحمد- من صفحة كاريكاتير الثورة السورية

 

 

 

امتلأت صفحة "فيسبوك" الخاصة بأيمن بأشعار ثورية، كلمات حزينة عن الدم السوري، لدرجة أن أمه بدأت تشعر بالخوف مما سمّته "شاعرية ابنها"، وأنذرته أنه إن كتب عن الحاجز الذي يقف في مدخل مدينته "قطنا في ريف دمشق" فإنها لن تسكت، "يا ماما.. هدول وحوش والله إذا بيقرو شو عم تكتب ليرجعولي ياك شقف".

في نفس المدينة وعلى بعد 5 شوارع كانت أمل تكتب على صفحتها الفيسبوكية: "كيف سأمر من الحاجز، وهل سأنجو كما كل يوم من رصاصهم ووحشيتهم، هل سيمر صباحي بلا كلام الإهانة اليومي.. يا رب خليك معنا".

التقيا عند الحاجز لما يزيد على خمسة أشهر يومياً، ولم يصدف أن التقيا في "سرفيس" واحد، ورغم أن خمسة أشهر وقت طويل إلا أنهما لم يتبادلا أكثر من نظرات تعاطف منتشرة بين جميع السوريين الثائرين على نظامهم.

أنقذته بدموعها

يوم الأحد 26 أغسطس/آب الماضي كاد أن يكون يوماً عادياً بالنسبة لذلك الحاجز اللعين، نفس الأشخاص المبتسمين بسخرية، المستمتعين بإيذاء ركاب "السرفيس"، ولكن الاستنفار على الحاجز كان مكثفاً قليلاً بسبب اكتشاف ما سُمّي "مجزرة داريا"، ما أدى لتشكل طابور طويل من السيارات و"الميكروباصات" بانتظار أن تتخطى الحاجز لتكمل سيرها باتجاه دمشق.

ولم يكن ذلك اليوم أيضاً عادياً في حياة أياً من السوريين، ذلك أن ذلك اليوم هو "يوم أسود" بتعبير أيمن وأمل على صفحتيهما الفيسبوكية بعد مجزرة داريا القريبة من قطنا.

أنزل الشاب المرتدي لتلك البذلة العسكرية شاباً من السرفيس الأول بطريقة جعلت جميع مَنْ سمع صوته وطريقته العدوانية بالكلام ينظر باتجاه الشاب بنظرات من الخوف عليه وعلى نفسه لئلا يمتد الغضب ليصله هو نفسه.

"انزيل ولك.. مستعجل يا ابن الكلب.. بدي مشيك.. لح مشيك.. انزيل لقلك".. وقف أيمن على جنب الشارع لأقل من دقيقة، إذ إنه تلقى ضربة قوية على ظهره وقدميه جعلته يسقط على الأرض.

وسرعان ما انهالوا عليه بالضرب ورموه على جنب الشارع ريثما يتفرغون له، وبعد حوالي الساعة فوجئ أحد الواقفين على الحاجز بفتاة تقترب منه باكية وطالبة منه السماح لها بحمل أخيها الذي يتنفس بصعوبة على جنب الطريق بحمله إلى المنزل.

نقل العسكري نظره ما بين الفتاة وما بين أيمن، وقال لها: "أخوكي حيوان.. شو الله عمى على قلبو وجاوبو.. وانتي وين كنتي.. هادا أكيد أخوكي وليه؟".

ولم ينتظر جواب سؤاله لأن دموع أمل أوحت له بأنها صادقة، كما أنه لا وقت لديه لهذه العواطف المهترئة بعد أن أتاهم أمر بمنع الخروج والدخول للمدينة بعد انتشار خبر مجزرة داريا في وسائل الإعلام، فصرخ بها: "حطيه بهالسرفيس اللي جاي ووصليه، هادا آخر سيارة لح تفوت لجوا".

أمل لا تربطها بأيمن صلة قرابة، ولم تتكلم معه ولا مرة في حياتها، حتى إنها لا تعرف اسم عائلته.

عندما وضعته في الميكروباص لتوصله إلى بيته، دمعت عينا أيمن خجلاً وعرفاناً بالجميل، وربما حباً.

لم تسأله هي أين يسكن لخوفها من انكشاف أمرها، أخذته إلى بيتها أولاً وليوصله أبوها إلى بيته بعد ذلك.

قبل 26 أغسطس كان الاثنان يمران من نفس الحاجز، لا ينظران إلى بعضهما إلا لأنهما يعانيان نفس المعاناة.

بعد 26 أغسطس باتا يركبان الميكروباص نفسه، ينزلان قبل الحاجز بحوالي كيلومتر، ويمشيان لما بعد الحاجز بحوالي كيلومترين، ليستقلا سيارة آخر، تفادياً للوقوف على الحاجز المشؤوم.

قبل 26 أغسطس كتب أيمن: "يا لهذا اليوم الأسود، يوم مجزرة داريا" وبعد 26 أغسطس كتب: ""نزلي جفونك على عيوني.. اليوم ولدت من جديد.. حرية حرية".

قبل 26 أغسطس كتبت أمل: "الله لا يوفقك، الله لا يسامحك.. داريا يا جرح قلبنا"، وبعد 26 أغسطس كتبت: "داريا أعدتِ الحياة لقلبي.. كم أشعر بالخوف من تزامن ذكراكِ وذكرى قلبي".

لو علم بشار الأسد أن حواجز شبيحته وجيشه المزروعة على طول سوريا وعرضها ستجعل من أيمن وأمل عاشقين وحديث مدينتهما، لأزال حواجزه ولابتكر أسلوباً جديداً لإهانة وقتل السوريين.

 

 

دمشق - جفرا بهاء- العربية