Share |

حوار مع الشاعر الكردي عبد الصمد محمود … حاوره : عماد يوسف

عبد الصمد محمود ( بافي هلبست ) قروي استهوته كلمات الريح، فنسج من ظلالها صورا تبوح بآمال الإنسان وآلامه، تلك الكلمات التي ما برحت تشغل الذاكرة بطفولة كردي، استباح براري (خربة غزال) بفخاخه المنصوبة أمام قوافي العشق، وإيقاعات العصافير السحرية، ثم أدلج حراب تطلعاته في ظهر الغيب، واستدرك سنابل الانتظار، ليضفر منها قصائد تتوج حلم الإنسان الكردي بإشراقات الانبعاث والتجدد، أنا ذاك الطفل الذي تربى في حجرات أحمد خاني وفقي تيران وملاي جزيري وجكرخوين، فحفظ الوصايا، وأراد أن يؤدي الأمانة شاباً في كتابة توقد الانفعالات والأحاسيس فانوساً في درب الخلاص والعشق والانعتاق.

          

– البدايات الشعرية تتسم بالصعوبة دوما ً كونها مرحلة اثبات الذات .. كيف كانت بداياتكم مع الشعر ؟

عشقت القصيدة صغيراً، في أمسيات القرية الهادئة كنت أستمع لوالدي وهو يلقي قصائد ملاي جزيري بنبرة دينية، فحفظتها، وكنت أرددها، ثم ما لبثت أن تعلمت الكتابة الكردية، وبدأت أخط أولى كلماتي بلغة كانت ممنوعة على أهلها،  وبجهود خاصة استطعت أن أطور ملكاتي اللغوية والشعرية، وأن أطلع على التراث الأدبي الكردي، وكانت كتابتي الأولى عبارة عن قصيدة مغناة لمطرب كردي شعبي، وعندما اشتهرت الأغنية خلقت لدي حافزاً إضافياً لمتابعة الكتابة، فتوالت قصائدي انثيالاً عفوياً، وشرعت في الكتابة في أغراض شعرية متنوعة غلبت عليها الطابع الوطني والرومانسي. 

 

– هناك شعراء كبار برزوا و سجلوا حضورا قوياً في الساحة الأدبية الكردية قديماً و حديثاً و لكل منهم أسلوبه و مدرسته الشعرية ....

لمن قرأت أكثر ... و بمن تأثرت من الشعراء ؟

قرأت لمعظم شعراء الكرد، وأكثرهم حضوراً في تأثيره علي هو ملاي جزيري وجكرخوين، والتراث الكردي يزخر بفنون أدبية متنوعة كان لها قدر كبير في التأثير على كتاباتي .

 

– نريد أن نسمع منك قصة أجمل قصيدة كتبتها حسب رأيك ؟

لكل قصيدة حكاية وموقف وانفعال ، بيد أن القصة الطريفة التي أذكرها دائما هي التي تواردت مع قصيدة كتبتها عن أولى الانفعالات التي بدأت تجتاح كياني حين بزغت تباشير الهوى في ثنايا القلب، والطريف في الأمر أنني أرسلت القصيدة مكتوبة على صفحة ورقية ، واستلمتها الفتاة التي كنت أعشقها، ولكنها لم ترد لي الجواب، وحدث أن التقيت بها خلسة فسألتها عن القصيدة هل أعجبتها أم لا ؟ فأجابت أنها لا تتقن القراءة والكتابة .  

 

– الكاتب و الشاعر الكردي كثير الشكوى من المعاناة و التهميش و قلة الاهتمام في سوريا أكثر من غيرها ..

      ما السبب برأيكم ؟

السبب الجوهري هو عدم توفر مؤسسات أدبية كردية تهتم بالشأن الأدبي والثقافي، بينما المنظمات الحزبية لا تعير اهتماما للجانب الثقافي، والسبب الآخر أن معظم الكرد في السنوات الماضية لم يكونوا يتقنون القراءة بلغتهم الأم، وهذا جعل الأدب الكردي محصورا في نطاق ضيق، وكان يضطر الشاعر أحيانا إلى الإلقاء شفاهاً.

 

– المتتبع للشعر الكردي في سوريا يلحظ طغيان الجانب القومي عليه .. ما مسوغات ذلك برأيكم ؟

المسوغ بسيط وواضح هو الاضطهاد والقمع الذي تعرض لهما الشعب الكردي باستمرار، ونزوعه إلى التحرر والخلاص كان سببا أساسيا في كتابة القصائد التي تغني بحب الوطن والحرية والاستقلال. فسخر الشاعر الكردي جميع إمكاناته في سبيل قضيته الوطنية.

 

– يقام في سوريا مهرجان سنوي للشعر الكردي منذ عام 1993 ..

من أين أتت فكرة اقامته .... و كيف تم ذلك ؟

الفكرة جاءت من قبل بعض المثقفين الكرد في عام 1993، حيث طرحوا أن يكون للشعر الكردي مهرجانا سنويا يحتفي به وبالشعراء أسوة بباقي الشعوب الأخرى ، وبعد سنتين قرر القائمون على المهرجان أن يكون يوم ذكرى وفاة الشاعر الكبير جكر خوين هو يوم مهرجان الشعر الكردي ، ولا بد أن نثمن جهود أولئك الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتحقيق هذا المطلب ، والعمل على إنجازه .

 

– من المعروف أنكم عانيتم بعض السنوات من إقامة المهرجان بسبب القبضة الأمنية الشديدة و اعتقلتم على أثرها أيضا ً .. هل لك أن تخبرنا عن ذلك .. ؟

في المهرجان الخامس عشر الذي أقيم في قرية موسى كورا حيث كنت أحد أعضاء اللجنة التحضيرية للمهرجان داهمتنا دوريات الأمن مدججين بالسلاح ، ومنعوا الاستمرار في برنامج المهرجان ، وأخذوا منا بطاقات الهوية الشخصية وطلبوا منا مراجعة فرع الأمن السياسي بالحسكة ، كنا سبعة مطلوبين ، وفي النتيجة تم استدعائي والشاعر عمر اسماعيل وصاحب المنزل الذي أقيم فيه المهرجان الأخ أحمد فتاح ، وتم اعتقالنا وتسليمنا لفرع الشرطة العسكرية بالحسكة وتقديمنا لمحاكمة عسكرية تم بموجبها توقيفنا لمدة أربعة أشهر قضيناها في سجن القامشلي ، من تاريخ 17 / 12 / 2010 إلى 17 / 4/ 2011، وهنا نقدر عاليا جهود كل الشرفاء من أبناء شعبنا ومن السادة المحامين الذين دافعوا عنا في جلسات المحاكمة، وألئك الذين قدموا لنا دعما ماديا ومعنويا.    

   

– بافي هلبست كشاعر و عضو في اللجنة التحضيرية لمهرجان الشعر الكردي ..

كيف ترى مستويات الشعر الكردي في سوريا ... و ما مدى الشاعرية التي يتحلى بها الكردي ؟

مستوى الشعر الكردي في سوريا دون الطموح ، ولكن هناك قامات شعرية مبدعة ، بيد أنها تحتاج إلى الدعم والاهتمام والرعاية ، ولكن على المستوى العام فإن الأدب الكردي في سوريا ما زال يحاول أن يكون له موضعا ومكانة عالية بين آداب المنطقة ، وبالنسبة للشاعرية فإنها ملكة فطرية عند الكردي بسبب طبيعته الجغرافية والنفسية التي تبعث على الانفعال الصادق والتعبير المبدع الخلاق.

 

– اتسم الشعر الكردي في مهرجانه السابع عشر بالضعف و دونية المستوى .. ما السبب برأيكم ؟

يرتبط ذلك بالوضع العام في سوريا، حيث كانت الأزمة الراهنة إحدى أسباب ضعف مستوى مهرجان هذه السنة ، ولم يتمكن معظم المشاركين من الحضور لتلك الأسباب، وتم تأجيل المهرجان فكان لهذا التأجيل أثره الكبير على عدم الحضور لعدم تمكننا من الاتصال مع بعض الشعراء لأسباب تقنية.

 

-  قيل : الشعر الكردي ما يزال في طور الهواية و لم يرق للاحترافية و التنظيم الأدبي ..
  ماذا تقول في ذلك ..؟

ذلك لا يرتبط بالشعر بقدر ما يرتبط بالشاعر، فهناك شعر كردي رصين ومبدع كما عند جكرخوين وسيداي تيريز وغيرهم من الشعراء، وكذلك عند بعض شعراء الحداثة المعاصرين، ولكن الوضع الكردي في ظل ظروفه الموضوعية له أثر كبير في تطور الأدب عامة، وذلك للضغوطات التي تمارس على الكردي في معظم الجوانب الثقافية والإنسانية.

 

– كلمة أخيرة توجهها للشعراء الكرد ؟

الشعر نسغ الحياة ، وكل ما أتمناه أن يتمسك الشاعر الكردي بتلك الحياة التي تقوم على التواصل والعشق والمحبة وتمتين أواصر التعاضد، وأن تكون رسالة الشاعر الكردي هي رسالة الأنبياء الذين ينيرون دروب الحياة بالكلمة الطيبة المبدعة الخلاقة.

 

-       نشر الحوار في العدد الثامن من جريدة بينوسا نو