Share |

سميان.. أغنية لم تكتمل إلى الشهيد سميان سعيد حامد... عمر كوجري

 

 في هذه الأجواء المشحونة برائحة البارود التي غطت على عبق الزهور، وفي هذا القلق السديمي الذي طال، فحوّل ربيع سوريا إلى أعمدة دخان لاتودّ الانطفاء.

كل يوم هنا مدعاة للخوف والفزع، كل أم سورية تصلي ليسلم الله ولدها، بل تصلي لكل أولاد سوريا.. 

هل هو قدر السوريين أن يغوصوا في وحل الألم حتى ذبول آخر وردة، ويباس آخر شجر،  وحتى ابتلاع السماء لآخر نجمة في كبدها؟؟

الطبقة أو " طبكة" التي أحفظ شكل العشق في حواريها، وأحصي قلوب ساكنيها فرداً فرداً آبقاً بالروعة منذ عقود عديدة، هي اليوم مثلها مثل باقي المدن والقرى السورية، مثل كل الريف الكردي آناً تعلن أنها لا تقل بزخاً وكرماً عن أخياتها الكرديات عموماً والكوجريات خصوصاً..

طبكة أيضاً، تعلن زفاف شهيد جديد في موكب الحرية، ويصل صدى زغرودتها الباحثة عن شمس حنونة إلى قلب كل سوري، وبألم قاس تعلن أن سميان سعيد حامد قد انضم إلى قافلة العرسان في هذا الموسم السوري الذي يحرّض كثيراً على العشق..  عشق الحرية الذي لا يضاهيه، أو يحاكيه عشق.

طبكة بكل كبريائها تقدّم الشهيد سميان على طبق من حرية كي تضاء دروبنا نحن الباحثين عن قمر ناعم، والراغبين في كتابة قصائد مغموسة في دماء اللون، كي تطلع اللوحة أكثر مجلبة لبهجة القلب، ورقص الروح، وبغض صوت زخات الرصاص التي تحصد فراشات حقل كهذه التي تأذى جناحها في حقول الطبكة الضاجة بالفرح.

  كلما حاولت نسخ صورة سميان في قلبي، وأنام،  أيقظني صوت أبيه سعيد، هذا الصوت الكوجري المتسامي عن حزنه وجراحه الراعفة ليقول لنا نحن زوار ابنه:

أنا راض بابني بقدم واحدة، راض به بقلبه الموعود بحبنا نحن أهله وعشاقه، أن يعود لي ابني سميان وإلى أمه " ستي" سنشكر المولى، ونحسبه أعاده لنا بثلاث  أرجل تعبيراً عن فرح بعودته سالماً بعدما نزف كل هذا النزف الكبير،

 

 يقول سعيد الشامخ الجبهة: ابني ليس الوحيد الذي ستقطع رجله، وفي لحظة يتخيل ابنه سميان يرقص كفراشة عرفت معنى الحرية، ويتخيل أن سميان تزوج، ويكاد يسمع ضحكاته، وهو يرفع أبناءه.. أحفاد سعيد عالياً في الهواء، وتملأ البهجة قلب زوجة سميان، فتطبع على شفاه سميانها قبلة طويلة لا يستفيق من عذوبتها حتى الآن.

 بدلاً من أن نفرّج من كرب سعيد، نراه وهو يكفكف دموعنا بنظرته الواثقة لكن الحزينة أن كل ما خطه الله سيكون.

 حين ننشغل، نرتبك، ونتهامس، يشك سعيد أن سميان قد سلم الروح لباريها، وقبل أن نخبره بمصيبته.. مصيبتنا الكبيرة، يقول : الحمد لله الذي وهب.. الحمد لله الذي أخذ أمانته..

 ينضمُّ سميان لقافلة القديسين، وتنضمُّ طبكة لكرم الدماء كما عهدناها منذ ثمانينات مضت وحتى لحظة اشتعال قلب ستي،  وتبقى أمه.. أمنا " ستي" تحلم بولدها سميان، لكن بلا رجل مقطوعة، ولا تقطع الأمل بأنه سيعود يوماً ليملأ حوش الدار أطفالاً وعناقيد عنب ورمان..

ننحني أمام روحك يا سميان.. أيها الأغنية التي لم تكتمل

ننحني أما بحر صبرك، وتحملك هذه الشدة التي تهزَّ جبالاً... يا أبا سميان

نقول لأم سميان: كل زهرة في باحة داركم الآن.. تبكي بكاءها المر.. على فقد عريسها الذي غادر بثياب العرس البيضاء.. البيضاء.