Share |

عامودا في ملفّ سما كرد الجزء الرابع .

 منازل عامودا

 

 

 

نضعُ أمامَ قرّاء سما وكلّ القرّاء الجزءَ الرابع الذي شاركَ فيه العاموديّون - الأصدقاء ( كاظم شيخي – زاكروس عثمان – داريوس داري ) على أمل أنْ نُكمِلَ الأجزاءَ التالية عن الفرق الفلكلوريّة و الطبّ الشعبيّ في عامودا , و الكثير من المواضيع الحيويّة التي يحتاجُها القراءُ, هنا في عامودا أو خارجَها.

 

المعدّ : عبداللطيف الحسيني – عامودا.

 

  .في الصورة : المغنّي الكرديّ العالمي شفان مع الفنان الكبير الراحل ( عبدالرحمن دريعي ) الذي عزفَ على الناي في حفلة شفان التي أُقيمتْ في بيروت.

 

" صورة من أرشيف سما كرد" .

 

 --------------------------------------------

 

عامودا وآثارالغناء والموسيقا

 

كاظم شيخي -الإمارات

 

نتيجة ما يمليه علينا الواجب، تجاه عامودا ،وتلبية لدعوة الكاتب عبداللطيف الحسيني وموقع سما الإلكتروني، ورغبة مني في الكتابة عن عامودا، وجدت تناول  الغناء الكردي وانعكاساته الاجتماعية في عامودا مناسبة للكتابة ( عنه وله وفيه  وحوله)

 

عن الأغنية والفن الموسيقي:

 

 الأغنية الكردية تعد من أكبر المؤثرات على كيان الكائن العامودي- أقصد أبناء عامودا- فهي بالنسبة لهم وسيلة للهو والمتعة، وخاصة في حفلات الأعراس.

 

كما أن أهل عامودا ولمحبتهم للسفر والتنزه والرحلات إلى حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، أصبحت الأغنية مصدر إلهام وإبداع للإنسان ألعامودي، ليحول تلك المناسبات، و تلك المشاهد الجميلة أثناء الحفلات والرحلات، إلى أحاسيس تنطلق على شكل أغنية، أو بيت شعر.

 

في  الأغنية:

 

 بالإضافة إلى الأغاني الشعبية ، والموشحات الدينية، وترانيم الأمهات في المآتم، و لأطفالهن قبل النوم.

 

هناك  الأغاني الأكثر انتشاراً  ،بين أبناء هذه المدينة، أغاني(  آلام القلوب العاشقة ) فالمتألم من الجنسين يبدع بذوقه بأداء هذه  الأنواع من الأغنيات،  فهي تتحول إلى زين، وهو يتحول إلى ممو.

 

 ولي يحب من طرف واحد، وما أكثرهم  يتحول إلى مجنون ليلى، بالإضافة إلى الأشعار الغزلية العاطفية، رغم ثورة  المرئيات والفضائيات، وإنه  من النادر ألا تجد في إدراج المعمرين والمعمرات أشرطة كاسيت، تتحدث   عن الأشعار الملحمية والحماسية، والتي كانت  تنشد للحروب وفي ساحات الوغى، مثل قصة: (جتلي آغي  سيدخان كري  حمدين شمدين) ،  بالإضافة  لأغاني السلم والحرب، والفرح والحزن،  و في بعض الأحيان،  تعطيك الحكمة أو العلل عن حدوث هذه الظواهر  في (بكو عوانيتها)

 

حول الأغنية:

 

رغم تعرض كل  الصور الجميلة للتشويه، ورغم  تعرض الحقائق إلى التحريف والتزييف، نتيجة للظروف الاقتصادية والمعيشية القاهرة، ظهر على الساحة الفنية الكردية  فنانون وفنانات، وفرق فلوكلورية عديدة، وعازفون مهرة، لا يمكن للأيام والسنين أن تمحو ذكرهم من ذاكرة الكرد، والفن،  رغم امتداد الأيادي المسلطة، لهتك حرمة كل النواحي الحياتية للمجتمع العامودي، أو لخنق كل الطاقات والقابليات، ولم يسمحوا لها بالظهور، إلا بما ينسجم مع  الهامش ، والمديح والولاء، وتمجيد السلطات،  مما تسبب بكم هائل من المعاناة للفنانيين  في عامودا، وأجبروا  على الانزواء، بل واضطر  على إثرها الكثير من الطاقات للفرار من عامودا،وترك الوطن والأهل والذكريات للخلاص، أماالاخرون  فلم يسعفهم المال والحظ للإفلات من مخالب الواقع المر  لعامودا في ظل ظروف القمع وحصار الفن والثقافة الكرديين،  فالفنان إذا اضطر للعيش في عامودا، فيدفن ما لديه من مواهب وقدرات، ويترك الساحة إلى آخرين من الانتهازيين والوصوليين الذين يرقصون على أنغام التسطح الغنائي.

 

وإذا ما أخذنا الغناء كأحد الجوانب المهمة في عامودا، فسنرى أنها تعرضت للتهميش و أغلقت الأبواب أمام الكثير من الأكفياء، وأجبروا على ترك  الغناء والموسيقى بألم وحسرة، تفادياً للجوع و للأذى، وغيرهما، فماتت طموحاتهم وأحلامهم..

 

فهناك عدد كبير من  المغنين والموسيقيين، ممن تشهد لهم  مجموعة من النتاجات، و  تركوا بصمات واضحة وقوية في تأريخ   الغناء الكردي،  خشية من عدم الاستطاعة،  فيذكر كل الفنانيين والموسيقيين والشعراء الذين أصبحت كلماتهم جزءاً مهماً من تأريخ  الموسيقى الكردية.

 

الأغنية:

 

 إزاء الأغاني القديمة، والفنانين القدامى الذين لا زالت تستهويهم هذه الأغنية بل وتستهوي المثقف الكردي، والنخبة،  ورغم  ازدياد الفضائيات الكردية ، يبقى موقف المشاهد  الكردي، متردداً وخجولا، في زحمة الأغاني الهابطة المعروضة حتى أصبح المطرب والفنان الكردي "لايأتي أحد بسيرته"، إلا في مناسبات الزفاف، ويوم النيروز العظيم، فأصبحت هذه الأغاني جزءاً مكملاً كعلب حلويات يتم توزيعها في المناسبات والأفراح.

 

""""""""""""""""""""""""""""""""

 

عامودا سقف مفتوح على الألم المجيد.

 

زاكروس عثمان

 

 تقول الميتولوجيا الإغريقية , أن الإله برموثيوس المكلف بسدانة النار وقع في عشق أنثى من البشر , وليعبر عن شغفه بها , قدم إليها شعلة لهب , و حين عقد بانتيون الآلهة على ذروة الاولمب , رفع احدهم وشاية إلى كبيرهم زوس يخبره فيها بفعلة برموثيوس – يبدو أن كتابة التقارير سارية حتى بين الآلهة – انزعج  الآلهة الأب  من برومثيوس  الذي عــَـلـمَ  البشر بأسرار النار ,فقرر معاقبته, ويا لها من عقوبة , حيث أمر بربط الإله العاشق  إلى جذع شجرة , وان يمزق صدره , لكي تنهشها النسور من الصباح إلى المساء , ليعيش في عذابه الأبدية , حيث الآلهة لا تموت  .

 

لو كانت عامودا آلهة لأسميتها بروموثيوس , و لو كان بروموثيوس  مدينة لأسميته عامودا , إذ كلاهما يعيش ذات التراجيديا التي لا نهاية لها , وكلاهما يحمل عين القصة , قصة الحب المحرم , وكلاهما لا ينتظره أي مصير ,أو أي مستقبل غير الألم , والأقسى من ذلك أن كلاهما لم يقترف أية جريمة , حتى تطالهم هذه اللعنة الرهيبة , التي شوهت  كينونتهم ,بقدر ما شوهت وجه اله متجبر.

 

قبل أن يلدغني الواقع بحيثياته المريرة , قبل أن تتخدر كينونتي بسموم الخوف على رغيف الذل , قبل أن تصيرني الفاقة حشرة في شرنقة التقية , قبل أن اعرف أن الله جعلنا شعوبا وقبائل لكي نُـذبح , قبل أن اعرف ثقل الجريمة التي ارتكبتها حين خرجت من رحم أمي كرديا , قبل أن يصفعني ذاك الـ ... لمجرد أن كنية أمي تنتهي بحرف  الواو , قبل أن اعرف عامودا وأمراضها.

 

كنت طفلا قرويا أبلها , وكانت قريتي لا تبتعد  جنوبا عن عامودا غير مسافة معدودة , تبقيها تحت مرمى النظر , لتغوينا أطيافها بمغامرة القدوم إليها , حيث منارة جامعها الكبير تتلوى من خلف السراب , وكأنها تلوح لنا بالقدم إليها , بينما بيوتاتها الطينية تتراءى لنا في هيئة المنازل التي ترد وصفها في حكايات الجدات في ليالي الشتاء , ولكن كان أكثر ما يشدنا هو تلة شرمولا التي كان التسلق على ظهرها انجازا أسطوريا,حيث كان الآباء يخبروننا أن من يصعد ظهر التلة ويبصق على ذاك الصنم الأبيض لكمال أتاتورك الرابض على سفحgirê kemaliyê  في أعالي خط الحدود فسوف  يغدو بطلا,فكنا نفعل ذلك دون ان نعرف لماذا, و كانت قبلتنا الثانية هي المقبرة المجاورة وما تخبئ في جوفها من رموز تثير في قلوبنا الصغيرة مزيجا روحيا قوامه قشعريرة و رهبة , سمعنا بمراقدها ومزاراتها  وما لها من كرامات ,سمعنا بالدموع التي تذرف من عيون الأمهات كل مساء خميس على أطفال صارت محنتهم تأريخا لمدينهتم , سمعنا بمرقدreşîdê kurd  وmehemed axyaê deqorî  الذي أبى إلا أن يرافق أشلاء الأطفال إلى الدنيا الآخرة.

 

 وفي شهر الصيام كنا نخرج لحظة المغيب إلى أسطح منازلنا ,وعيوننا مصوبة إلى  أفق عامودا ننتظرها بفارغ الصبر أن تقذف من فمها كرة بيضاء نحو صدر السماء ثم نسمع ذاك الدوي الشيق.... boomm لنقفز فرحين "بنطة" واحدة من السطوح إلى فناء الدار ونحن نصيح

 

 tope lêxist hêêê tope lêxist , فيما تبقى أفئدتنا وأحلامنا مشدودة إلى عامودا.

 

كم تحايلنا على ذوينا ليسمحوا لنا بمرافقتهم إليها , فنسير معهم مشيا على الأقدام مشوار نصف ساعة,  وحين نقترب من مشارفها , نلمح أدخنة أفرانها, ونشم من مئات الأمتار رائحة شواء الخبز الشهية , فيسال لعابنا , ونسمع صيحات الباعة في الحواري والشوارع , يا الله كم كنت أتلهف الوصول إلى سوقها كي أصادف جمالو بائع "لحمة بالعجين" ,الذي لا يمكن للمرء مقاومة الرائحة الزكية التي تفوح من الأقراص التي يحملها في حاوية تحت إبطه, لأطلب من أبي شراء بعضا منها, وان ابتسم الحظ لنا كنا نرافقهم مساءا لدخول السينما الصيفية لمشاهدة فيلم "بروس لي",وان كانت ذاكرتنا عن السينما ليست سعيدة , كانت أمي تحتج على اصطحاب أبي لي إلى السينما وهي تقول وماذا لو أشعلوا النار ثانية , فيطمئنها بان السينما الصيفية مفتوحة على السماء الطلقة وليس ثمة خطورة حتى لو اشتعل النيران , ولكن بيني وبينكم كان الوالد أحايين نادرة يصطحبني إلى السينما الشتوية بشرط أن لا اخبر أمي ,وفي الأوقات التي كان الأهل يمنعوننا من مرافقتهم , كنا نشكل عصبة أطفال ,ليسرق كل واحد من أمه بضع بيضات أو جفنة قمح او كتلة صوف ,او أي شيء قابل للبيع في عامودا , ثم نتسلل خفية من القرية نحو المدينة التي بقي سحرها يجذبنا , وكنا طوال طريق الذهاب والإياب نبتهل إلى كل حجرة في مقبرة عامودا , كي لا يصادفناîsmaîlê dîn  على الطريق فقد كان منظره يرعبنا , وكم من المرات زرع الهلع في قلوبنا وهو يطاردنا , ليجبرنا على العودة إلى القرية ,أو يخرجنا إلى قرية أخرى نلوذ بالأهالي لينقذوننا من غضب نقيب مجانين عامودا.

 

واليوم قبل أشياء أخرى كل تلك الصور الجميلة صارت هباءا منثورا.

 

  كنت احلم أحيانا وأشفق أحيانا , على بروموثيوس  مفكرا بطريقة تنقذه من أوجاعه , دون جدوى حتى قرأت مسرحية لا اذكر اسم كاتبها ولكن العنوان محفوظ في حطام ذاكرتي التالفة " بروموثيوس  طليقا " قلت لنفسي ممتاز وأخيرا نجوت يا صديقي, ولم يعد مشكلة بالنسبة لي , وان كنت أتسأل ترى هل التقى بالحبيبة بعد إطلاق سراحه.

 

وبعد عودتي القسرية إلى السكن في عامودا , رأيت أن بروموثيوس  قد تزوج حبيبته , وأنهما تركا خلفهما نسل كثيرا , ولم يجدا مسكنا لهم غير عامودا , وحدث أن أبو الآلهة قد نهض من غفوته , فابلغوه نبا تواري بروموثيوس  عن الأنظار , وحين لم يعثروا عليه , قرر زوس توريث العقوبة إلى الأبناء ,ويح لمدينة تعاقبها السماء. 

 

نعم في اللحظات القسرية التي اخرج فيها من كوخي إلى العمل أو تقضية حاجة منزلية , أقابل في شوارع عامودا مئات الوجوه , وكلما نظرت خفية في عيني واحد منهم أجد ألف طائر من الرميات ينهش صدره من الداخل , وليس له أن يصرخ سوى بؤسا وحزنا  طاغيا على ملامحه , بينما مجانينها يرمقون السماء نظرات غضب يسألونها أن تخفض من سقف مظالمها كي تطال أياديهم مسامع  زوس عله يتذكر أن عامودا ليست البلدة الوحيدة في الكون حتى يصيرها حقل تجارب لبناء الجحيم .... المرتقب.

 

""""

 

عامودا...لا تعرف اليأس

 

داريوس داري

 

آه ... يا جرحي المكابر, وطني ليس حقيبة , وأنا لست مسافر, أنا العاشق والأرض حبيبية .  " م  درويش"

 

 

 

دمعة ذرفت من أول بيت

 

لآخر أسير

 

فك قيوده بأسنانه

 

و مات حنيناً إليها...

 

***  

 

عامودا

 

طفلة تعثرت بقدم الحرية

 

تلهو بأقراطها الميدية

 

 وشعرها المكحل بالخرنوب

 

وتبقى ا‎ٍبتسامة شموخ بين أحضان طوروس

 

 أمواج دجلة تجدل ضفائرها

 

***

 

شمالها عويل بارد

 

جراد جنوبها يفترس الطين

 

شرق قزحها.............. أحمر ........أخضر...........أصفر

 

تبث نوافذها الغربية الطمأنينة

 

***

 

رائحة مواسمها

 

كعيون صبية لحظة حب

 

أبوابها مشرعة

 

كهمسات سنابل الحقول

 

في نوروز الحصاد

 

كل بقعة من ترابها

 

طفل عارف غاضب

 

يرمق سوط أتاتورك.....

 

***

 

و قازي مازي بين جناحيه

 

يزركش بها دواوين سليم بركات

 

أحبائها نسر البلاغة......

 

جكرخوين.. سيداي تيريز

 

قصيدة---  مواويل‎---أحلام

 

مطرزة في حنجرة كل عامودي ( جاف رش(

 

وسخرية رشيد كرد من جدران سجنه و جلاديه

 

***

 

عامودا

 

أزهار تتفتح على صباحات شرمولا

 

لتزخرف براعم سنابلها طوق (كرخنيق)

 

لا يعرف ملامستها غير أطفال

 

قهروا السعير

 

وهم شتائل

 

أو كُتاب يتوزعون

 

***

 

أعشاش بيوتها

 

أعداد غفيرة من الطيبة

 

أو مجانين...

 

 لهم في كل شارع حكاية

 

وسكاكر شيخ التسامح.

 

----------

04 أيار, 2010 03:45:00