Share |

قراءة في مجموعة ( بعد آخر ) للكاتبة الكردية السورية هيفي قجو : بقلم: نصر محمد

الكاتبة هيفي قجو  و غلاف كتابها
الكاتبة هيفي قجو و غلاف كتابها

 

 

 

كل صباح انكر وجهي

 

ارتدي اخر لا يشبهني

 

ابدأ به حيوي البائس

 

بصمت احاور الطرقات

 

الأشجار

 

أعود بي الى الأمس

 

تتزاحم الصور في مخيلتي

 

اخشى عليها من الغربة

 

اكتفي بالتنقل بينها

 

يا للعزاء اليتيم

 

لوطن بات غريباً…!!

 

 

 

#بهذه الكلمات اهدتني الشاعرة والكاتبة هيفي قجو مجموعتها القصصية ( بعد اخر ) عندما التقيت بها مؤخرا في برلين على هامش مهرجان الفن والثقافةالكردية ، سعدت جدا بقراءتها ، وكان لي هذه القراءة المتواضعة

 

 

 

 قبل ان ادخل عالم القراءة من بابها الكبير علي ان اتقدم للقارئ

 

بلمحة عن الشاعرة والكاتبة هيفي قجو

#تحمل لنا من معاني الجمال اسماَ ومضموناً ، جميلة جدا في قصائدها وقصصها القصيرة جدا ، شخصيتها متزنة ورزينة ، الحديث معها ممتع وشيق ، كلماتها منتقاة بروعة ودقة ، وعذوبة متناهية ،

 هيفي قجو من مواليد عامودا ، من عامودا ، من عالم الجنون وجمرة الإبداع ، سجلت في جامعة الفرات ، فرع دراسات قانونية لكنها لم تكمل بسبب الظروف القاسية ، عملت مربية في احدى رياض الاطفال التابعة لإحدى مدارس عامودا ، بعدها عملت في اذاعة ارتا مقدمة ومعدة برامج وتقارير ، وابضا عملت في مؤسسة بدائل لتنمية القدرات البشرية كمدربة لمنظمات مجتمع مدني ، هي حاليا مقيمة في مدينة برلين وتعمل ايضا مربية في احدى رياض الأطفال بعد استكمالها الدراسة في هذا المجال

 .

 اعمالها الأدبية  :

 

  بعد اخر ) هوامش سردية، قصص قصيرة ، من اصدارات دار فضاءات عمان ، الأردن عام 1919

  اصابع العازف او كصوت ناي بعيد ) هوامش سردية، عن دار طنطا ، مصر عام 2020

  ادراج عالية _ جهات عمياء : سرديات دار طنطا 2021

   مجموعتان شعريتان   قيد الطبع

#قبل قراءة مجموعة ( بعد اخر ) توقفت قليلا عند لوحة الغلاف للفنان عادل داوود في حالة من الصمت لأستطيع قراءة اللوحة ، وجدت بأنه سيكون هناك حضور قوي للأنثى بشكل عام والأنثى الكردية بشكل خاص وستكون المرأة مهيمنة على العمل بأكمله ،

#بعد اخر ، مزيج من القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا او هوامش سردية من اصدارات دار فضاءات، عمان الاردن عام 2019 تحوي بين دفتيها خمس عشرة قصة قصيرة واثنتين وثلاثين قصة قصيرة جدا ، وتتكون من 100 صفحة من القطع المتوسط

#قصصها القصيرة تحتمل التغيير في الأحداث على خلاف القصة القصيرة جدا التي لا تحتمل ذلك ، فهي تأتي على شاكلة ومضة

تقول هيفي في احدى قصصها القصيرة جدا

( قبل ان تمسح تفاصيل انوثتها الصارخة ، استرقت النظر الى جسدها الغض ، هي لم تفعل ذلك كما كل انثى تريد اكتشاف فتنتها بل ربما ارادت ان تعرف ان كان اللباس الجديد يناسب شلالات شعرها المسكوبة على كتفيها ،

 

ثم مررت نظراتها على نهديها المختفيتين ليسرح خيالها مع حض الحبيب ، يمسد خصلاتها قبل ان يقطف كرز شفاهها ، لم يتسن لها ان تتمادى اكثر في احلامها ، هناك ازيز الرصاص وصوت (( كولي ))صديقتها : هيا تأخرنا اسرعي ، فألقت بالحلم جانباَ ، وتناولت زيها الجديد وراحت تتبع ازيز الرصاص الى مصير مجهول

#القصص في مجموعة ( بعد اخر ) ، تتفتح على فضاءات واسعة ، متصلة ومنفصلة احيانا ، جميع هذه الفضاءات تشف على الهم الانساني المتداعي الى الاغتراب في بلدان الدياسبورا اي بلاد الاغتراب ، تبدأ الكاتبة هيفي قجو بقصة عن ايام اللجوء الأولى

 

في بلدان اللجوء ، حيث ترجع بالذاكرة الى قسوة الطبيعة حين يهطل الثلج في مكان ولادتها عامودا وبين بهجة الحياة في برلين مكان اقامتها الحالية.

 

 

 

 تقول الكاتبة في قصة ذكرى

 

( تذكرت سقوط الثلج اخر شتاء قضته في الوطن ( بلادها ) وكيف لبست معطف والدها الكبير واخذت مجرفة ومكنسة وصعدت الى السطح برفقة والدتها .

 

بياضه الناصع لم يجذبني اليه يوما ، لم احببه ابدا ، فقدومه كان نذيراً لبداية عذاب اخر يضاف الى كاهلي المترهل تحت معاناتي اليومية.

 

يؤرقني هذا الكفن الثقيل الذي يلف صدر الأرض

 

كانت تقول لنفسها هذا الكلام، وهي تراقب تساقطه من النافذة الخشبية الصغيرة المحشورة في جوف لبنات الطين، كنت احس ان الحرية وراء اطارها القديم فقط.

 

هنا في الغربة، الناس يتهيؤن لاستقباله في طقوس موشحة بقدسية الفرح، فتراهم منهمكين في زخرفة الموائد، والاماكن تتنضد بأنوار البهجة، كل ما يمت بصلة لهذا الضيف الخفيف الظل، بنظرهم سيبعث الدفء في قلوبهم الباردة. )

 

 

 

#القصص في ( بعد اخر ) تحمل اغلبها الهم الانساني والثقافي والاخلاقي والآجتماعي بالنسبة للمراة ، تكون المراة مسحوقة في بلادنا من قبل الاخوة من ناحية الميراث ، فتقول الكاتبة هيفي قجو في قصة ( صحوة )

( جلست في باحة المنزل بإنتظار شقيقها ، مضت ساعة ، ساعتان ، ولم يخرج من غرفته ، قررت الذهاب اليه مجدداً لتنهي الموضوع ، فتحت الباب بهدوء ودخلت دون استئذان لتتفاجأ به نائما على السرير ، قالت في نفسها وهي تنظر اليه : نعم هذه هي قيمتي عندك ، لا إعتبار لي ، سأنتظرك لأرى ما ستؤول اليه الأمور

 

فقد صبرت طويلا ً ولم يبق إلا القليل.  

#وتابعت الكاتبة ( لا بنات عندنا تطالب بحقوقها ، عار عليك هذا الكلام ، اخبريني من هي البنت التي طالبت بحقها من ميراث والدها ، قال ذلك وهو يشد شعرها بقسوة اكثر .

 

انا ، انا اريد حقي.

 

خذيه ان كان بإستطاعتك ذلك.

 

قالها وهو يدفعها دفعة قوية على الأرض قبل ان يرتطم وجهها بالكرسي المركون في احدى زوايا باحة الدار وتركها مضرجة بالدم الذي يسيل من انفها وفمها.

 

لن افتح الموضوع مع شيقيقي الأخر ، لأنه ليس بأفضل حال من هذا ، اقنعت المرأة الأربعينية نفسها وهي تحاول النهوض ، في الصباح ارتدت ثيابها ، اتجهت الى حيث يهب النسيم)

 

 

 

#القصص القصيرة جدا في مجموعة ( بعد اخر ) ينطوي على هوامش سردية قائمة على تقنيات بعيدة كل البعد عن الخاطرة . تقول الكاتبة

( عاد بها الذاكرة الى ليلة الإعتراف الجميل ، هكذا طاب لها ان تسمي تلك الليلة ،

 

بعد عدة لقاءات خجولة همس بأنها ملكته.

 

اعادت تلك الليلة بكل تفاصيلها ، وهي تتأمل صورته.

 

اغمضت عينيها وشعرت بدفء،جسده يتسرب الى مفاصلها ، فكادت ان تطير الى السمو يلفهما عناق جامح ، هي الأن معه في ذلك الهامش الذي نسجه خيالها ، روحان عاريان من كل مايعكر صفوهما ، يرتدي كلاهما الأخر في تناغنم جميل ، وطئا بقاعاً لم تخطر لأحدهما بلوغها ، حتى انتفضا كمن يسلم الروح ،

 

حينها فتحت عينيها وابتسمت في حسرة ، لترى نفسها وحيدة في طقسها البارد المعتاد إلا من ذاكرتها)

#في مجموعة ( بعد اخر ) تطارد الكاتبة هيفي قجو كينونتها المقموعة لتجعلها رفقة القول والتجلي والظهور ، هناك حضور قوي للانثى الكردية ، حاولت ان تترجم معاناة المرأة بشكل عام والكردية المرأة الكردية بشكل خاص ، من خلال تطرقها لموضوع الختان والميراث ، المرأة في المهجر ، المرأة في المعتقل ، ام الشهيد ، اااالخ . تقول الكاتبة في قصة ( ثمن القناع ) :

 

( الآلاف من النساء،احترقن تحت ظلال ايات صماء،لم تنفع ولم تبالِ بصرخاتهن وتبقى الخطيئة التي ارتكبت في رقاب تلك الوحوش ورقابكم الى الأبد .

 

اين كنتم حين دخلت تلك الوحوش ؟

 

على يقين انا ، انكم متواطئون بشكل او بأخر مع هذه الفواجع التي تنالنا منذ خلقنا وحتى هذه اللحظة.

 

انتم من افلتم هذه الوحوش من ارسانها ، نعم انتم ، واليوم تكافئونني على تلك الندوب التي نالت من روحي وأي ضمير تملكونه!!!

 

 

الدموع كانت تنهمر على ملامحها الجامدة ، المذهولة من كل شيء ، بقيت هكذا هنيهة ، ثم ادارت ظهرها للجميع.. !! )

 

#في الختام ( الأقصوصة جنس يتيح للقاص الترحال في ثنايا الأفكار والمعاني والدلالات والكاتبة هيفي قجو كانت وفية لهذا التنوع فتنوعت القضايا التي طرحتها في مجموعتها .)