تعدُّ عائلة شمدين باشا، التي تنسب إلى عشيرة دقوري التابعة للاتحاد الكيكي، من العائلات الكردية الشهيرة والمؤثرة في المجتمع الشامي، من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية. وقد لعبت هذه العائلة دورًا هامًا جعلها صاحبة بصمة وطنية في تاريخ سوريا، من خلال موقفها ضد أي اعتداء على أمن وسلامة دمشق. وكان أبرز شخصيات هذه العائلة هو سعيد باشا بن شمدين باشا، أمير الحج الشامي.إلى جانب هذه العائلة، كان لكرد دمشق ثقل اجتماعي وعسكري في القرن التاسع عشر. ويجسد هذا الثقل حجم مشاركة الكرد في التصدي لحملة إبراهيم باشا بن والي مصر محمد علي باشا. تقول المؤرخة الأمريكية ليندا شيلشر: "انتهى حكم الأهالي بدخول الجيوش المصرية إلى سورية. وكان إبراهيم باشا قد دخل عكا في أيار 1832، ثم تقدم باتجاه دمشق على رأس جيش قوامه 16 ألف رجل. ولكن المقاومة التي نظمها علي باشا (علوش باشا) في جيش بلغ تعداده 10 آلاف رجل، كان معظمهم من الأكراد وشبان المدينة وبعض الدروز" (شيلشر، 1998، ص 59). وقاوموا الجيش المصري رغم إمكانياتهم المحدودة في السلاح والعتاد. في هذه البيئة الكردية المرتبطة بالأرض، ترعرع محمد سعيد باشا شمدين في دمشق، درس في مدارسها، ثم أكمل دراسته في المدارس العسكرية في استانبول. وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، عُيّن قائدًا لفيلق (العونية)، وهي واحد من الفيالق الجديدة التي أوكل إليها القيام بمهام حفظ الأمن في المدينة. والواقع أن محمد سعيد شمدين كان أحد الأغوات المحليين القلائل الذين تولوا قيادة إحدى القوات الجديدة في ذلك الحين (شيلشر، 1998، ص 182). اشترك هذا الفيلق في أحداث الشغب عام 1860 التي توفي فيها شمدين باشا والد محمد سعيد، وتم إلغاء هذا الفيلق على إثر ذلك، ونُفي محمد سعيد إلى استانبول. وبعد أشهر معدودة رافق نامق باشا الذي عُيّن واليًا على بغداد، وعاد إلى دمشق عام 1865 بعد أن شمله العفو العام. في عام 1869 عُيّن متصرفًا في نابلس، ثم متصرفًا في شرقي الأردن إلى عام 1873. وأثناء وظيفته هذه نال لقب "باشا" وكان قد تولى إمارة الحج الشامي عام 1870. وقد استمر في إمارة الحج إلى عام 1892. وقد ورد اسمه في سالنامه سوريا كمحافظ لموكب الحج الشامي (سالنامه، 1880، الدفعة 12، ص 89). ولعل أهم مصدر كتب عن حياة محمد سعيد باشا السياسية والعسكرية هو صحيفةRevue Diplomatique الفرنسية، التي نشرت صورته على الصفحة الرئيسية في عددها الصادر بتاريخ 5 آذار عام 1892 تحت عنوان "سعادة سعيد باشا وزير خارجية الإمبراطورية العثمانية". حيث يقول كاتب المقالAUG. MEULEMANS: "من أبرز رجال الوزارة الحالية وأكثرهم ذكاءً دون شك، هو سعيد باشا، وهو من أعرق العائلات في كردستان. وُلد سعيد باشا في السليمانية في السادس عشر من شعبان عام 1250 هـ - 1834م. تعود بدايات هذا الرجل البارز في المسيرة الإدارية إلى زمن بعيد، حيث كان في الرابعة والعشرين من عمره، وبينما كان يشغل منصب رئيس مكتب الترجمة في الباب العالي، وقد التحق بهذه الوظيفة في السادسة عشرة من عمره. كُلف محمد سعيد بك من قبل حكومته بتسوية النزاعات في "إينيبولي" التي نشأت بين السكان الأصليين والأجانب المقيمين في البلاد. في تلك الفترة رافق الصدر الأعظم السابق أدهم باشا إلى أوديسا، لزيارة الإمبراطور الكسندر الثاني ملك روسيا. وبعد عودته من هذه المهمة، شارك في المجلس التجاري، وتولى على التوالي منصب نائب الرئيس ورئاسته. تميّز سعيد باشا بصفاته الإدارية، وعيّن مديرًا للشؤون السياسية في سوريا، حيث كان هذا المنصب في تلك الفترة حساسًا ومحفوفًا بالمخاطر. وقد تقلد مناصب عدة منها: عُيّن واليًا (متصرفًا) فيIlfetchin برتبة ميرميران "باشا"، وفي قبرص برتبة روملي بيلربيه، وفي قارص وVarna وToulcha، حيث ترأس لجنة الدانوب. وبعد ذلك تم ترقية سعيد باشا إلى رتبة وزير. بعد تعيينه من قبل حكومته عضوا في مؤتمر برلين، حيث كان الأمير بسمارك يكن أعلى درجات التقدير، عاد سعيد باشا ليشغل للمرة الثانية منصب وزارة الخارجية في سبتمبر عام 1301هـ - 1883م. وقد شغل منصب وزير الخارجية بشكل متميز. قليل من الرجال الذين لديهم مثل هذه الصفات الكاملة، لقد كرس حياته لشؤون بلاده، وهو الرجل الأكثر دراية في شؤون الإمبراطورية العثمانية في تركيا. بعد تعديل وزاري أخير، تولى وزارة الخارجية للمرة الثالثة، وكان يترأس مجلس الدولة في نفس الوقت. بالإضافة إلى حصول سعيد باشا على أوسمة عثمانية ومجيدية وتأسيسية، هو أيضًا عميد كلية."
(https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5716784x) 1\11\2025
تعدُّ أسرة شمدين باشا الدقوري واحدة من الأسر الشهيرة في حيّ الأكراد، وفيها زعامة عشائر الكيكية. ومؤسّسة مجد هذا البيت هو شمدين باشا الدقوري ابن موسى الكُردي (الصواف، 2010، ج 2، ص 391).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- يبدو أن كاتب المقال يقصد بوزير الخارجية توليه ولايات بعيدة عن مركز السلطة العثمانية، وخاصة توليه ولاية الحج الشامي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -شيلشر, ليندا, دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, الطبعة الأولى. دمشق, دار الجمهورية1991.
1 -سالنامه ولاية سوريا، 1880، الدفعة 12.
3-الصواف, محمد شريف عدنان, موسوعة الأسر الدمشقية, ج 2, الطبعة الثانية, دمشق 2010.
4-صحيفةRevue Diplomatique الفرنسية. https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k5716784x) 1\11\2025)