Share |

وداعاً يا شعبان...آلان كيكاني

الراحل شعبان

 

على مر ثلاثة أشهر وعلى غير العادة ظلت إيقونته شاحبة على الشبكة العنكبوتية لا تتحول إلى خضراء . قبلها كان الاتصال شبه اسبوعي بيننا في العالم الافتراضي نتحدث وندردش في السياسة والأدب , نتفكه ونضحك , يكلمني عن صغيريه جانو ورولان ونهفاتهما وحبه لهما , ونيته تقديم أفضل تربية وأعلى مرتبة في العلم لهما .

يا إلهي , ماذا جرى لشعبان ؟ كنت أسائل نفسي كل يوم .

لماذا لا يفتح المسنجر ؟ لماذا لا يزور الفيسبوك ؟

هل جرى له مكروه ؟

لم يكن لدي رقم تلفونه لعدم الحاجة إليه في ظل التوفر الدائم للشبكة العنكبوتية التي توفر الاتصال المجاني بين الناس . حتى كان مستهل هذه السنة الميلادية حيث لمحته في الهوتميل وأسرعت بالتحية خوفاً من خروجه المفاجئ منه , وبادرت إلى فتح الكاميرا لأراه , كان شاحباً , واهنا , عليه علامات الإنهاك , رغم أنه بدا متماسكاً في كلامه عندما أخبرني عن مصابه الأليم .

عرفت شعبان قبل عقدين نموذجاً للطالب الواعي والمتفتح , كان من اللطف ما ترك أثراً في حياتي مذ قابلته أول مرة في كلية التجارة والاقتصاد في جامعة حلب حيث كان يدرس , وبعدها توالت اللقاءات وتحولت إلى صداقة حميمة . عرفته ببسمته الفطرية التي لا تفارق شفتيه ونبرة صوته الأقرب إلى الهمس والتي لا تتجاوز أذن المتلقي .

" عجز الأطباء يا دكتور " قال بحسرة

ثم تابع " أحاول تأمين صغيرَيَّ هذين في أيامي القليلة المتبقة  "

لم أتمالك نفسي حينها وأطفأت الكاميرا كي لا تنقل مشهد دموعي إليه وأنا أدرك الدور المعنوي في علاج المرض الذي ألم به .

اليوم جاء خبر شعبان كالصاعقة .

خبر يقول أن شعبان سيوارى الثرى غداً صباحاً .

لا زلت غير مصدق , وأخال شعبان ينتظرني لأجل سهرة في باسوطة أو ميدانكي . أخاله يجلس مع سوزان في شرفة منزله في الأشرفية يحادثها تارة وينفخ في نار النرجيلة تارة أخرى .

كم أنت ظالم أيها الموت وكأنك لا تتلقى الأوامر من الملك العادل .

أما كنت لتختار المجرمين من سفكوا الدماء ويتموا الأطفال ورمّلوا وثكّلوا النساء . وجئت اليوم لتقبض روح شعبان الذي لم يزعج كائناً حياً على مدى أربعين سنة , هي سنوات عمره .

أما كان السفاحون والدجالون يليقون بمائدتك حتى تتغذى بجسد شعبان الهزيل الذي انهكه السرطان ولم يبق منه إلا الجلد والعظم ؟

كيف طاوعتك يداك أيها الموت ؟

أما كنت تسمع صرخات جانو الصغير ؟

أما كنت ترأف به وهو يدخل عالم اليتم والحرمان ؟

أما كنت تصغي إلى نشيج سوزان وأنت تدفعها إلى الترمل ولم تشبع عيناها بعد من شعبان .

يا صخور " جقماقا " كوني ناعمة كالحرير على جسد شعبان .

يا ترابها تغمده بحنان .

وداعاً يا شعبان .

سوف لن أنساك ما حييت .