Share |

ولادة النص الشعري في ظلال الاسم الجريح... لعبد اللطيف الحسيني ... بقلم الفنان جنكو

الفنان التشكيلي جنكو
الفنان التشكيلي جنكو

 

أن نقيّم أي نص أدبي لا يقف أمام أحادية النقد بل بقدر ما يولد النص نصوصاً متوازية ومتعددة بتعدد القراءات ، فالنص ذو البعد الواحد لا يحتمل سوى قراءة واحدة تخنق النص وتميتُه ميتة عادلة .

إنّ أهمية نص عبداللطيف الحسيني تكمن في خلقه لجديد يصدمك و ينفّرك بلا إعتياديّته  ، فهو نص لواقع حالي قاس ، وكيف لا يكون النص قاسياً وهو يصوّر السأم والمبضع والانتحار والقتل والوجوه المتلوّنة بتلون الواقع ؟.

وهو ردّ على ولادة شعرية سابقة ، شعرية بدأت بحداثة لغوية مع ما يرافقُها من صور شعرية جديدة ، فقد كانت إذاناً بشعر ذاتيّ ، وهو نفسُه قضى على نفسه بعد تحوّله إلى صور اقتنع بها القارىء وأصبحت بعض العبارات  كمثيرات تغري " رأس" القارىء مثل الزهور وأسمائها والخضراوات ونعناعاتها والبقع الجغرافية ( عامودا – قامشلي - كردستان) وورودها في أي نص أصبح كافياً لتسمية أي نص بالشعرية ، وكان ذلك كافيا ليكسب الشاعر جائزة في الشعر لمدة خمس دقائق .

-           يفتت عبداللطيف الحسيني الشعر السائد و يرى ضرورة لذلك ، و لربما كان تفتيتُه لكثير من الكلمات الواردة في نصه إلى حروفها نوع من الإشارة إلى التفتيت ، فالواقع يتفتت والدول تنقرض والشعوب تتحول ولا شيء يبقى على حاله .

-           إنه يفتت الحالة الشعرية بصورها الرعوية الرومانسية وأشعارها الغزلية المتذللة للمرأة و ينزع التاج والهالات الذهبية عن رأس شعبه المقدس ، إنه إذانٌ بمرحلة جديدة ونحن نعيش حالة تحول هجينة للواقع حيث يصرخ الشاعر : ( من فضلك افسح طريقا للإنسان الجديد الصائت كي يجمّل دنيانا ).وأصبح الملائكة مشلولة أمام سطوة اللصوص الذين سرقوا الجزء الرابع من العقد الفريد بالرغم من أنها سرقة لفرح الشيخ و رفاقه العجائز ، فكل الصور الشعرية التخييلية و المتخلّقة إلى واقع افتراضي تتحطم أمام سطوة الواقع الماديّ القاسي ، واقع مادي لتابوت الروح .

-           يضع الشاعر عمله ضمن مصطلح نص وقد أضاف الناشر عبارة " شعر" في ذيل الصفحة الثالثة ، والكتاب يتأرجح بين المفهومين ، فإن بعضها يمكن تسميتها بنصوص تصل إلى حد المقالة والخاطرة ، وهذا واضح في الكتابات المكناة باسم أصدقائه ، و لكن البقية تستحق مصطلح " نص شعري" ، فهي أشعار بحق لهيكليّة عباراته المهندسة ضمن بناء عضوي متماسك ، كما في "أسرار - كالبرق - أمام امرأة " يقول أدونيس :( تكمن قيمة النص الشعري في فعاليته الفنية ، ويكون النص فعالاً حين يكون قادراً على أن يتوالد بنفسه خالقاً بين كلماته أو بين عناصره شبكة غنية من العلامات . )

في حادثة جرت منذ أيام في مدينتنا عامودا : لقد أقدم أحدُ اليائسين بإشعال النار في إحدى غرف بيته ، فبادر قلّةٌ من الشباب لإطفاء الحريق و لكن الأكثرية من الجيران وقفوا متفرّجين حتّى التهمت النيرانُ البيت كلّه ، بسبب تحججهم بعدم وجود الماء ، أو قّلته ’ وهذه السلبية لم تمنعهم من كيل اللوم على صاحب البيت و تصرّفه رغم أنّ البيت احترق تماماً . ما أقرب الحادثة من صوت عبداللطيف الحسيني : ( أنا الرجلُ الذي تمدد فوق سكة القطار و لم يمنعه أحد ).