Share |

أكراد جورجيا… إعداد د. محمد علي الصويركي… لندن/ بريطانيا

     جورجيا اليوم جمهورية ذات سيادة تقع في منطقة القوقاز، عاصمتها مدينة (تبليسي)، ونظام الحكم فيها جمهوري. وهي تقع عند ملتقى أوروبا الشرقية مع غرب آسيا، ويحدها من الغرب البحر الأسود، ومن الشمال روسيا الاتحادية، ومن الجنوب تركيا وأرمينيا، ومن الشرق أذربيجان. وتبلغ مساحتها نحو (69.700) كم2، وتعداد سكانها حسب تقديرات عام 2006م نحو (4.661.473) نسمة.

      تعد جورجيا من أوائل الدول التي اعتنقت الديانة المسيحية في القرن الرابع الميلادي، وقد بلغت ذروة مجدها السياسي والاقتصادي خلال حكم الملك ديفيد والملكة تامار في القرن الحادي والثاني عشر الميلاديين. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي ألحقت جورجيا بالإمبراطورية الروسية، وبعد فترة قصيرة من الاستقلال تلت الثورة الروسية عام 1917، اجتاحتها الجيوش البلشفية عام 1921م، وتم ضمها إلى الإتحاد السوفيتي عام 1922م. لكن جورجيا استعادت استقلالها مجدداً بعد أنهار الاتحاد السوفيتي السابق، وغدت دولة مستقلة في 9 نيسان من عام 1991.

     يشكل الجورجيون ما يقرب من 83.8% من تعداد السكان الحاليين (4,661,473 نسمة)، ويعيش فيها أقليات عرقية أخرى: كالأذريون الذين يشكلون نسبة 6.5 % من السكان، والأرمن 5.7%، والروس 1.5 %، والأبخاز، والأوسيتيون. كما توجد أقليات صغيرة كالآشوريون، والشيشان، والصينيون، واليهود، واليونانيون، والكباردين، والأكراد، والتتار، والأتراك، والأوكرانيون. ومنذ عام 1990م غادر جورجيا ما يقرب من 1.5 مليون شخصاً، واستقر ما لا يقل عن مليون مهاجر شرعي أو غير شرعي في روسيا الاتحادية. 

      يعتنق معظم سكانها المسيحية الأرثوذكسية (81.9 %). وهناك أقليات دينية مثل الإسلام (9.9%)، والأرمنية الرسولية (3.9%)، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية (2.0%)، والكاثوليك (0.8%). وهناك نسبة (0.8% ) من أتباع أديان أخرى، و(0.7%) من لا دين له.

 

 الجغرافيا والمناخ:

 

      تغلب الجبال والهضاب على المشهد الجغرافي لجورجيا، وتفصل جبال القوقاز الكبرى بين جورجيا والجمهوريات الروسية شمال القوقاز، وعلى طول المدى القوقازي الرئيسي تهيمن عليها العديد من الأنهار الجليدية حيث يقع 30 % داخل جورجيا. وهناك البحيرات، والمياه المعدنية، والينابيع الساخنة، ويوجد فيها نهران كبيران هما ريوني ومتكفاري. ومجموعة من المستنقعات، والسهول شبه القاحلة المميزة لآسيا الوسطى، وتغطي الغابات حوالي 40% من أراضي البلاد، وتتواجد الثلوج الأبدية والأنهار الجليدية فوق خط 3000متر (1).

  

 

خارطة توضح (اللون الأخضر) مكان سكن الأكراد في جورجيا

 

الأكراد في منطقة القوقاز:

       لا يوجد تاريخ معروف عن وجود الكرد في القوقاز، وهناك إشارات إلى وجودهم في هذه المنطقة كان بين نهري كورا أراكس ويرجع إلى حدود القرن العاشر والقرن الثاني عشر الميلاديين، عندما كان يحكم هذه المنطقة أسرة الشداديين الأكراد. 

       تذكر المصادر التاريخية بأن الأكراد سكنوا في منطقة القوقاز حول أرمينيا وجورجيا قبل القرن الحادي عشر الميلادي، وهو ما يعني أن الأكراد عاشوا هناك قبل عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي، وقبل احتلال روسيا لأرمينيا وتركمانستان. وعندما ضمت روسيا القيصرية أجزءاً من جورجيا وأذربيجان عام 1813م. وفي عام 1921 أصبحت جميع المناطق القوقازية تحت السيطرة الحكومة السوفيتية، وعندما تعرض الكرد إلى الاضطهاد والتشريد من قبل السلطات العثمانية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي دفع المضطهدين من القبائل والمجموعات الكردية إلى البحث عن ملجأ آمن لهم في روسيا المجاورة، وهناك خصصت لهم الأراضي والقرى في المناطق غير المأهولة، وأخذ عددهم يرتفع بشكل مطرد حتى العقود الأولى من القرن العشرين، وجرى إعادة توطين الأرمن والأكراد ومنحهم امتيازات معينة بعد الحروب الفارسية الروسية (1804-1813م) و (1826-1828م)، خاصة بعد معاهدة تركمان شاه= Turkmanchaiعام 1828م، واستقر غالبية الأكراد في أرمينيا بعد حرب القرم (1853-1855م)، وبعد الحرب التركية- الروسية بين أعوام (1877-1878م). ثم تدفق الإيزيديون الأكراد من شرقي تركيا إلى القفقاس وخاصة إلى أرمينيا هرباً من الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له من قبل الدولة العثمانية بسبب معتقداتهم الدينية خلال الحرب العالمية الأولى، ومنهم من ذهب إلى جورجيا ولكن بدرجة أقل بين أعوام 1917 حتى 1918م.   

    ونتيجة لتلك الهجرة حصلت ثلاثة تجمعات كردية كبيرة في روسيا، وهي: أكراد أذربيجان، أكراد أرمينيا، وأكراد جورجيا الذين قدموا من تركيا وأرمينيا المجاورتين، وقد امتهن الأكراد في بلاد ما وراء القوقاز تربية المواشي لما لها من أهمية قصوى في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ومع تطور المدنية ترك بعضهم حياة البدوية واستقروا في القرى، وأصبحوا فلاحين ومزارعين. وقد حاولت السلطة السوفيتية الاشتراكية في جمهوريات أرمينيا وجورجيا وأذربيجان القيام بتحسين حياة الأكراد المضطربة، ففي 1920م جرت محاولة لعمل المزارع الجماعية، ونتيجة لذلك أصبحت الزراعة أكثر أهمية من الرعي، فأخذ الأكراد يزرعون العنب والخضراوات، لكن النشاط الزراعي كان محرماً عند الإيزيديين حسب معتقداتهم الدينية، كما أصبح الكثير من الأكراد عمالاً في المدن الجورجية.

 

تاريخ الإيزيدية في جورجيا:

 

       منذ بدايات القرن العشرين أصبح جنوبي القوقاز موطناً بديلاً لغالبية الأكراد الإيزيديين عندما فر أسلافهم من شرقي تركيا بسبب الاضطهاد الديني، وتذكر المصادر التاريخية أنهم قدموا إلى جورجيا أبانَ عهد القيصر (جورج الثالث) في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلاد عندما اضطروا أن يتركوا شمال العراق ويستقروا في أرمينيا.

     وفي وقتٍ لاحق بدأ بعضهم بالعمل في خدمة القيصر الجورجي, ويقال بأن إَيزيديين وهما الأخوان (زازا، وايفو) اعتناقا المسيحية واتخذا اسمين جديدين وهما (إيوان، وزخاريا), وحققا بعد ذلك شهرة عظيمة كقائدين عسكريين وحارسين شخصيين للملكة الجورجية (تامار) في أواخر القرن الثاني عشر، وبدايات القرن الثالث عشر الميلادي.

       بدءاً من أواخر القرن الخامس عشر الميلادي كان الصفويون والعثمانيون يشنون الحروب من أجل السيطرة على منطقة القوقاز والشرق الأوسط، ونتيجة لذلك فقد الأكراد الإيزيديين إماراتهم، لأنهم أول من انخرطوا في تلك الثورات, وكان يتوجب على جورجيا أن تدافع عن استقلاليتها وعن نفسها أمام الدولة العثمانية.

        بدأت القبائل الرحل الكردية بالتوجه الى جورجيا وبالتحديد إلى (متسخيتا) في القرن السادس عشر، وجاءت مجموعات من الإيزيديين الى مدينة (تبليسي)، وبقيت جورجيا دولة حرة تجتذب بدورها جيرانها المضطهدين الذين يعيشون تحت حكم الأتراك، ووفقاً لبعض الوثائق التاريخية التي تعود إلى سنة 1760م طلب الأكراد من القيصر الجورجي (ايراكلي الثاني) المساعدة، وجاءت اللحظة المناسبة في 25 أيلول  1768م عندما أعلنت الدولة العثمانية الحرب على روسيا، وبعد مفاوضات طويلة أقنعت روسيا القيصر الجورجي (أيراكلي الثاني) بالدخول في حربٍ معها ضد تركيا، ومن هنا أخذ الجورجيون والروس يتطلعان إلى الأكراد والآشوريين لكي يلعبا دوراً مهماً في هذه الحرب، وبحكم أنهما يضطهدان فيها بسبب ديانتهم المختلفة عن ديانة الأتراك المسلمة، وتتحدث تلك الوثائق بشكل أقل عن الأكراد حيث أشار القيصر الجورجي إلى قدراتهم العسكرية.

      في أبريل من عام 1770م، ووفقاً لتفاهم القيصر الجورجي مع روسيا، أرسل القيصر قواته نحو  بلدة Akhaltsikhe. وفي نفس الوقت غادر الأسقف الأشوري (أشعيا) العاصمة الجورجية (تبليسي) حاملاً رسالة إلى الكاثوليكوس (سيمون)، وللزعيم الكردي (جوبان أغا)، وفيها يطلب القيصر الجورجي منهما التعاون معاً ضد الأتراك ذلك العدو المشترك للجميع, ووَعدهم بالدعم بكل إمكاناته, لكن هذه الخطط فشلت لأن الجنرال الروسي Totleben, صهر القيصر أيراكلي الثاني غير رأيه، وتحول بقواته نحو Kartliبقصد الخيانة.

      وفي أيلول 1770م، تلقى القيصر الجورجي أجوبة لمراسلاته، حيث كتب المطران الآشوري (أشعيا) يقول:" ذهبتُ إلى كردستان الإسلامية لأقابل زعماء الطائفة الإيزيدية، لأريهم رسالتكم... كانوا سعداء جداً، وقد وضعوا الرسالة على رؤوسهم، وأصبحوا عبيدك المتواضعين، وهم يُصلونَ من أجل انتصارك، ويطلبون منكم أن تمنحهم حصن (خوشابا)، أمنحهم القلعة حتى يتمكنوا من التجمع معاً هناك، أنهم لا يحتاجون إلى الماشية، بل يسألون عطفك، هذا ما استطيع أن أخبرك إياه؛ أنهم جميعاً مقاتلون جيدون، ويعترفون بـ (جوبان أغا) كزعيم لهم".

       وأكد (جوبان أغا) الزعيم الكردي الإيزيدي في رسالته إلى القيصر الجورجي، بقوله: "نحن الإيزيديون المحموديون (نسبة إلى محمود) نسألك عن منح العهد لكي نأتي إليك بسلام بالشكل الذي نتأكد فيه من سلامتنا، الله وحده يعلم أنه عندما نأتي وننحني إجلالاً وإكباراً لكَ، سوف ترى أننا نعرف كيف نخدمك".

      وهكذا لو قُِدر لعملية  Akhaltsikheأن تنجح، واستطاع القيصر الجورجي الاقتراب من أراضي الأكراد والآشوريين لتوحيدهما لتغير الوضع الجيوسياسي في المنطقة. وليس هناك من شك في أن كلاً من الأكراد والأشوريين كانا مستعدين للتحرك ضد تركيا إذا دُعما من قبل القيصر ايراكلي الثاني، لكن خيانة الجنرال Totlebenهي التي أجبرت القيصر على تغيير خططه.

     لم يرغب القيصر الجورجي من الأكراد والأشوريين فقط أن يقفوا إلى جانبه في صراعه ضد تركيا، لكنه أراد نقلهم من بلادهم إلى جورجيا، وهناك معلومات تقول بأن نحو أربعة آلاف عائلة كردية وصلت جورجيا الشرقية واستقرت في قرية(كاخيتي), وعندما وقعت روسيا معاهدة تركمان شاه Turkmanchaiللسلام في 1828م، حَصل الأكراد الإيزيديين على فرصة للقدوم إلى جورجيا كأيدي عاملة، وفي النصف الأخير من القرن التاسع عشر بدؤوا بالوصول بأعداد كبيرة.

      قبل نشوب الحرب العالمية الأولى لم يكن عدد الأكراد في (أرمينيا وجورجيا) كبيراً، وكان بزهاء ألف كردي من عشيرة (روزكيان). وقد هاجروا من (بدليس)- إبان الحروب الروسية التركية عام 1827-1828م إلى داخل الإمبراطورية الروسية. ولعل عدد الأكراد الجورجيين المقيمين لدى الحدود التركية كان يربو على ألف نسمة، وعندما رسمت الحدود التركية- الجورجية- وقع مكانهم ضمن الحدود الجورجية، وليس التركية.

     بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأت المجازر في تركيا وكردستان الشمالية لإبادة الأرمن في عام 1915م. ولم تكن حرب الإبادة تخص الأرمن وحدهم بل كانت تشمل كل من هم من غير المسلمين، لذلك وقع الإيزيديون الأكراد تحت نصْل سيف الدولة التركية. وهكذا فإن ألاف من الأكراد الإيزيديين وكذلك الأكراد المسلمون الذين كانوا يناوئون الاحتلال التركي اختاروا طريق الهجرة هرباً من البطش والقتل الوحشي العثماني، وتوجهوا إلى أرمينيا بين أعوام 1915-1917م . وبعد مرور أعوام لجأ الكثير منهم- بقصد العمل- إلى (تبليس) عاصمة جورجيا. وألفوا هنالك جالية كردية (2).

 

وضع الأكراد خلال الحقبة السوفيتية:

 

        بلغ عدد الأكراد في جورجيا خلال حقبة العهد السوفيتي السابق نحو (26) ألف كردي، كان غالبيتهم من أتباع الديانة الإيزيدية، والقليل من المسلمين السنة، وقد سكنوا بشكل رئيسي في المدن الرئيسة وخاصة في العاصمة (تبليسي)، وبعضهم عاش مشتتاً في الجزء الشرقي من البلاد، وكانوا يتكلمون اللهجة الكرمانجية الشمالية؛ بسبب انحدارهم من كردستان الشمالية (تركيا).

      توجهت رئاسة الدولة السوفيتية الجديدة إلى التفكير في تمهيد سبل الدعم لهذه الأقليات من القوميات لتطوير لغاتها وآدابها، فأصدرت قراراً يحسّن أحوال هذه الأقليات عرف باسم "السياسة اللينينية بشأن الشعوب". وكانت هذه السياسة تنص على أن لا بأس في صدور الكتب بأية لغة من لغات هذه الجمهورية، ولكن المضمون يجب أن يكون اشتراكياً.

     وكان الأكراد ضمن هذه الشعوب، لذلك تقرر افتتاح مراكز للتعليم ومؤسسات لمحو الأمية للأكراد في الجمهوريات التي يقيمون فيها خاصة في أذربيجان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا، وانصب الاهتمام على أكراد هذه المناطق حتى أنهم – في منطقة أذربيجان- منحوا حكماً ذاتياً أطلق عليه اسم (كردستان الحمراء) عام 1923م.

    لكن الأمور لم تجر في "جورجيا" كما خطط لها، لأن (95%) من الأكراد كانوا مبعثرين في العاصمة. وأهم من ذلك أنهم لم يكونوا أصحاب قرى تحافظ على أصولهم، وتحميهم من الانصهار (3).

     بين أعوام (1937- 1946م) تقريباً تعرض أكراد جورجيا الى عملية التهجير القسري، فتم نفي معظم الأكراد المسلمين من قرى  Samtskhe-Javakheti، والمصير نفسه واجهه أكراد مدن باتومي وادجاريا على العموم، وهجروا الى جمهوريات آسيا الوسطى في عهد الديكتاتور (ستالين)؛ لكي يخلص جورجيا - مسقط رأسه- من الأقليات العرقية، ويحقق توازنات عرقية في مختلف جمهوريات الاتحاد السوفيتي، كما انه كان معادياً للأكراد بوجه الخصوص كونهم من العرق الآري الذي ينتمي إليه أعدائه الألمان.

     بعد وفاة الديكتاتور (ستالين) 1953م، عاد النشاط الثقافي والمسرحي من جديد، وضع الإيزيديين الأكراد في جورجيا جيداً في الحقبة السوفيتية، حيث عاش الإيزيديون أفضل أيامهم بين أعوام (1960-1980م)، فبدأت عملية نشر الكتب الكردية، وبث البرامج الإذاعية باللغة الكردية، وانتعش الموسيقى والرسم، والأنشطة المسرحية في جورجيا وأرمينيا، وأداروا مسرحاً الدراما الخاص بهم، وقد أنشئ هذا المسرح الوطني الكردستاني عام 1937، وكان يؤدي نشاطه في جميع الجمهوريات الثلاث (جورجيا، أرمينيا، أذربيجان)، وكانت الجماعات الكردية من الهواة والمغنين والراقصين لها وجود في أرمينيا، وكذلك في جورجيا. وكانت لهم فرقة الرقص الشعبي, وأصبحت أيام الثقافة الكردية سمة منتظمة، وفي ذلك الوقت ظهر المفكرون الأكراد الكبار من أكاديميين, وفنانين، وممثلين, رياضيين، ومسئولي أحزاب، وعلى وجه العموم عاش أكراد في جورجيا حياتهم الجيدة في الحقبة السوفيتية حتى انهياره عام 1991م(4).

  

  وفي عام 1988م شكل الأكراد الإيزيديين منظمة عرفت باسم (روناهي- الضياء)، والتي استمرت حتى نهاية ذلك العام.

 

تعداد أكراد جورجيا:

 

        أما بشأن عدد أكراد جورجيا فقد وصل تعدادهم في مدينة (تبليسي) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (كردي واحد) عام 1876م، ونحو (ثلاثة أكراد) عام 1886م، و نحو (464) كردياً عام 1899م. ثم بدأت مجموعة كبيرة من الأكراد الإيزيدية الاستقرار في جورجيا بين أعوام (1918-1920م) بسبب تعرضهم للاضطهاد العثماني لأسباب دينية وسياسية، وغالبيتهم قدم من منطقة (فان) و(قارس) من شرقي تركيا.

      وفي العشرينيات من القرن العشرين بلغ تعدادهم نحو (10217) نسمة، وكان أغالبيتهم من الكرد الإيزيديين والقليل من الكرد المسلمين، وفي تعدادهم عام 1926م كان هناك نحو (458) كردياً مسلماً في العاصمة تبليسي، ونحو (2044) كردياً إيزيدياً فيها. وفي نفس الفترة كان يعيش في منطقة (أبخازيا) نحو (22) كردياً، وفي (اجارا= Achara) بأوسيتيا الجنوبية نحو (3295) كردياً.

      في عام 1930م كانت أعداد كبيرة من الأكراد الإيزيدين والمسلمين يعيشون في العاصمة (تبليسي)، وفي القرى الصغيرة ولا سيما في قرية (كاخيتي)، وكانت الهوية الدينية للإزيدية تعبر عن هويتهم الوطنية. وبلغ تعدادهم في عام 1939م نحو (16) ألف نسمة، وفي تعداد عام 1959م بلغ تعدادهم نحو (20016) نسمة،   وفي تعداد عام 1979 بلغ نحو (26) ألف نسمة. كما قدرت موسوعة (فيكيبيديا الألمانية) تعدادهم في جورجيا بنحو (20) ألف نسمة (5).  وفي عام 1989م بلغ تعدادهم (30) ألف نسمة، وهناك من قدر تعدادهم بنحو (40) ألف كردي، بنسبة 0.9 % من سكان جورجيا. وفي عام 2002م بلغ تعدادهم (18329) نسمة، ولاحظ تناقص عددهم نتيجة هجرتهم إلى الخارج وخاصة إلى أروبا وروسيا الاتحادية حيث انخفض العدد الى الثلث، وجلهم يعيشون في العاصمة (تفليس) وعددهم (17116) نسمة (5).

      بينما تقدر المصادر الإيزيدية عددهم بنحو (75) ألف نسمة، وهناك من يقدر عددهم بنحو (40) ألف كردي، وبنسبة 0،9% من سكان جورجيا.

      أما أحوالهم الاقتصادية اليوم فهي سيئة للغاية، ويعتمدون على الأجرة اليومية، ويبيعون بعض المنتجات اليدوية بأسعار زهيدة مثل الجواريب والملابس في سوق مدينة تفليس. وتعتمد بعض الأسر على حوالات أبناءهم المهاجرين في أوربا (6).     

 

وضع الأكراد في جمهورية جورجيا الحالية:     

 

        بعدما استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991م، بدأ عدد الأكراد يتناقص فيها, وتشير إحصاءات السكان لعام 1989 أن عددهم بلغ (35) ألفاً, وفي عام 2002م تناقص العدد إلى (21) ألف نسمة، وتقدر اليوم مختلف المنظمات الكردية أنه لم يبق فيها أكثر من (6) آلاف كردي، بمعنى أن المجتمع الكردي ذاب وطمس في جورجيا، ووفقاً لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان يحتل الواقع الاجتماعي للإيزيدين الأكراد الأكثر هشاشة في البلاد، فهم غير متضامنين ومنقسمين على أنفسهم، كما أن المجتمع الجورجي ساهم في أضعاف الأقليات ومن بينها الأقلية الكردية، وبسبب الوضع السياسي والاقتصادي الصعب التي تعيشه البلاد احتل معدل هجرة الأكراد في جورجيا المرتبة الأعلى من بين أقلياتها، فهاجر الكثير منهم إلى ألمانيا وفرنسا وكندا، أما الذين لم يهاجروا فيعيشون وضعاً صعباً حيث لا يجدون لهم مستقبلاً واعداً، بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، وموقف المجتمع الجورجي السلبي ممثلاً بالحكومة والشعب اتجاه وجود الأقليات على أرضها (7).

      فبعد استقلال جورجيا في بداية التسعينيات القرن الماضي، تم إقفال المسرح الكردي، ووقف عمل فرقة الرقص الكردية، ولم تعد الإذاعة الجورجية تبث برامجاً باللغة الكردية, بسبب فترة التعصب القومي التي سادت البلاد بعد الاستقلال، تلك التي تزعمها الرئيس الجورجي السابق (شيفرنادزه) ضد الأقليات ومن بينهم الكرد.

      نتيجة لذلك هاجر أكثرية الأكراد من قراهم وذهبوا إلى العاصمة (تبليسي) أو إلى المدن الكبيرة، بينما كانوا سابقاً يعيشون في قرى كردية خالصة، أو ذات أغلبية كردية، وبدت هذه القرى اليوم فارغة أو تتلقى مهاجرين جدد من غيرهم, وشكل الأكراد في المدن الجورجية تجمعات كثيفة خاصة في الضواحي، وهم يعملون في أشغال يدوية شاقة، كما أن اللغة الكردية تُدرس في أربع مدارس فقط في العاصمة (تبليسي)، لكنها تفتقر إلى المناهج والكتب المدرسية، والوسائل التعليمية، ويَدرس الأطفال بشكل رئيسي اللغة المحكية. كما يعاني الكرد الإيزيديون من عدم وجود معبد ديني خاص بهم في عموم جورجيا.

 

 وفي عام 1998م شكل المواطنين الكرد في جورجيا (إتحاد إيزيدي جورجيا)، وفي بداية عام 2002م شهدت البلاد وجود عدة منظمات كردية إيزيدية.

       وعن معاناة الأكراد في جورجيا كتب (رستم اتاشوف) رئيس اتحاد إيزيدي جورجيا يقول:" لم تفعل الأغلبية شيئاً لحماية مصالح الأيزيدية ...أنهم أكثر اهتماماً بمصالحهم الشخصية. كما يستفيد قسم من السياسيين من استمرارية وجود بعض من هذه المنظمات لأنه بإمكانهم تسخيرها في اللحظات المناسبة، وأغلبية الجالية الكردية مقتنعة بأن المنظمات الفعالة بالنسبة إليهم هما:(اتحاد الإيزيديين)، و(المؤسسة الدولية لحماية الحقوق والميراث الثقافي- الديني للأكراد الإيزيديين) المسجلة في 2001م. وفي عام 2003م بدأ اتحاد الإيزيديين بدعم من الحزب اليميني الجديد بنشر صحيفة له باللغة الروسية، حيث نشرت أول صحيفة كردية (كلاويز- نجمة الصباح ) بصورة غير نظامية.

      أما في المجال الديني فأن وضع الأكراد الإيزيديين هو الأكثر غموضاً, بالرغم من إدراكهم لانتمائهم العرقي الكردي، فأنهم يحتفلون بعيد ميلاد المسيح الأرثوذوكسي والكاثوليكي، والأعياد الوطنية مع بقية الشعب الجورجي, وهذا يعود إلى عدم تمكنهم على مدار عدة قرون في هذا الشتات من ممارسة شعائرها الدينية في معابد خاصة بهم, كما أن جميع الأقليات المحلية الوطنية تثمن التسامح الجورجي, وهذه واضح في جميع الأزمنة باستثناء فترة التسعينيات من القرن الماضي. كما أن الطائفة الأيزيدية غير ممثلة في المستويات العليا من السلطة, ومع ذلك يقول ليفان جفيندز هيليلاLevan Gvindzhiliaمسئول المؤسسة الحكومية للغات: "إن الأكراد جزء لا يتجزأ من الثقافة الجورجية، فهم يعيشون في دولة ديمقراطية تعتني بجميع طبقات الشعب بما فيها الجاليات العرقية، وبموجب الدستور الجورجي كل شخص له الحق في اعتناق أي دين؛ وجميع المجموعات العرقية على قدم المساواة في جورجيا، كما أن جميع الناس يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة على حد سواء، ولا ينبغي أن تكون السلطات مسئولة عن عدم وجود الأكراد في هياكل الدولة، ولا يُنتخب النواب بسبب الانتماء العرقي، ومن المتوقع أن يحوزوا على رضا الناخبين، ويعرفون اللغة الجورجية". 

     اتضح أن المجتمع الجورجي ليس على استعداد للاستجابة على نحو كاف لرغبة الأكراد الإيزيديين ليصبحوا جزءاً من المكون الوطني، لأن أولئك الذين حاولوا تعزيز موقع الجالية الكردية الأيزيدية في المجتمع الجورجي وجدوا أنفسهم في صراع معه، وفي مؤتمر عُقِدَ في تشرين الأول عام  2002م أعرب الأكراد عن استيائهم من الحكومة، وقد ردت العديد من الصحف والمجلات التي تصدر في تبليسي بمنشورات أنانية للغاية متهمة هؤلاء الذين تكلموا في المؤتمر بمشاعر معادية لجورجيا, ووسموا بتهمة الانفصالية والتطرف بدون أي سبب على الإطلاق. حتى إن بعض هذه الصحف حملت مقالات معنونة بـ ( جورجيا الاوجلانية = نسبة إلى عبد الله أوجلان), و(هل هناك تهديد من الحركة الانفصالية الكردية), و(شيفرنادزه يعمل على إذكاء الصراع بين الأكراد والجورجيين)، (الأكراد يهددون الجورجيين)... الخ, وقد تعاملت الصحافة بشكل سلبي مع حقيقة أن الأكراد التمسوا من السلطات الاهتمام باحتياجاتهم وقضاياهم فقط.

    تؤكد هذه الردود القادمة من الصحافة الجورجية بأن معظم الناس هناك غير مستعدين لقبول الجالية الكردية كجزء من المجتمع الجورجي، وقد فسرت الجاليتين الكردية والإيزيدية هذه المنشورات بأنها محاولة من بعض القوى السياسية المعينة لإثارة التوتر العرقي، وتقسيم الجالية الكردية إلى قسمين: مسلمين وإيزيديين، حتى أن البعض قالوا أنها كانت محاولة لاستخدام القضية الكردية ضد رئيس جورجيا: "الأكراد هدفٌ جيد لمثل هذه الاستفزازات لأنهم عزل، جاليتنا غير منظمة, سياسياً غير مبالية، وفي الأساس غير متعلمة".

     ويعتقد أفراد (الدياسبورا) الأكراد بأن استمرارية وجودها أصبح مهدداً، فقد قال جورجيو شاموييف:" الجالية الكردية في جورجيا من الناحية الاقتصادية, والسياسية، والاجتماعية دخيلٌ غريب, فإذا فشلنا بالتغلب على عقدة النقص هذه سيكون مصير الأكراد الجورجيين كطائفة منكوبة إلى الخراب". ويقود كلامه إلى استنتاجين: الأول, أن الجاليات التي لا تمتلك تمثيلاً في مستويات السلطة, تلعب دوراً محدوداً في الحياة الاجتماعية والسياسية في جورجيا، وبسبب انعزال الأكراد عن الحياة العامة الجورجية، وصعوبات تعلمهم اللغة الجورجية يزيد من عزلتهم عن بقية السكان بشكل أكبر. وثانياً, يشعر جميع السكان بالقلق إزاء مشكلة الهجرة، لذا يتخوف الأكراد الإيزيديين من أمكانية زوال طائفتهم هناك كلياً، وإذا ما تشكلت دولة كردية مستقلة في كردستان العراق يمكن أن تصبح الجالية الكردية في جورجيا أكثر نشاطاً لأنها تحافظ على روابط قوية مع سلطات الحكم الذاتي الكردي في كردستان العراق (8).

 

 أوضاعهم في العاصمة (تبليسي):

 

    في تقرير كتبه ( نيكولا لاندرو) بتاريخ20/12/2006م عن أوضاع الأكراد في العاصمة (تبليسي) جاء فيه: كان للمركز الدولي للثقافة والإعلام الكردي في تبليسي نشاطاً واضحاً خلال الحقبة السوفيتية السابقة، يأتي إليه أفراد المجتمع الكردي لإقامة أنشطتهم الفنية والموسيقية والاجتماعية، لكن اليوم تقلص دور الأقلية الكردية والإيزيدية في (تبليسي)، وأصبحت منقسمة على نفسها، وغير منظمة، وغدى المجتمع الكردي من أضعف الأقليات في جورجيا.

   وعندما تدخل إلى هذا المركز لا يوجد فيه سوى طاولتين وتلفزيون، لكنه غني في الديكور، من العلم الكردي والنجمة، وفي الوسط الصورة الأيقونية للمعبد الديني (لالش) للأكراد الأيزيدية في كردستان العراق، وصور كبيرة لعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الذي يتمتع بشخصية كاريزمية ويقود حركة تحرر للشعب الكردي في كردستان تركيا. 

    وقعت أحداث ملفتة للنظر في جورجيا بعد اعتقال عبد الله أوجلان عام 1999م حيث كشفت عن الوضع الكردي في جورجيا، فقد ذهب عدة مئات من الأشخاص وخرجوا الى الشوارع في مظاهرة دعماً لأوجلان زعيم القضية الكردية في العاصمة تبليسي. وقد عارض جزء آخر من المجتمع ذلك، لأنه لا مصلحة لهم في هذه المعركة.

       وقد ألقت هذه المظاهرات الضوء على كيف تفهم بها المجتمع الجورجي لمشاكل الأكراد، فعندما علم رئيس الشرطة في تبليسي أن كثيراً من الأكراد كانوا يحتجون في ضاحية سامجوري بسبب اعتقال عبد الله أوجلان، أعطى أوامره الى قواته من أجل تحرير الشوارع من قطاع الطرق والمجرمين أو كانسي الشوارع، وهنا تكمن صورة الأكراد في المجتمع الجورجي. فكلمة كردي في ذهن الجورجيين هي مرادفة لكلمة ....

     يستمع أكراد جورجيا عن أخبار الأكراد وقضيتهم السياسية من المحطات الفضائية الكردية التي تبث من الدانمرك (روج تي) وبلجيكيا وغيرها، وليس لديهم صحيفة كردية، وهناك فريق لكرة القدم الإيزيدي الكردي باسم (برزاني) إشارة الى مأساة قتل البرزانيين الأكراد في العراق من قبل صدام حسين عام 1983م، وقد حصل هذا الفريق على بطولة كرة القدم التي نظمها اتحاد كرة القدم الجورجي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ديسمبر 2006م. 

 

 مشكلة (الأكراد أو الإيزيديين في جورجيا):

 

    الإيزيديون هم أكرادا عرقاً ولغتةً، لكنهم يعتنقون إحدى الديانات القديمة التي يسمون بها (الإيزيدية)، وبسبب ذلك وجد مجتمعان من الأكراد: الأكراد المسلمون، والأكراد الإيزيدون، وفي إحصاءات عام 1926 بلغ عدد الأكراد المسلمين (10) آلاف، والإيزيديون ألفان، لكن السلطات السوفيتية في ذلك الوقت اعترفت بهم كمجتمع كردي واحد، وتم تهجير أغلبيتهم من قبل (ستالين) عام 1944م.  وفي تعداد عام 2002م بلغ عدد الإيزيدون الأكراد (18329)، مقابل (2514) من المسلمين الأكراد.

    يوجد داخل المجتمع الإيزيديين الأكراد خلافات بارزة، منهم من يرى أن (الأكراد الأيزيدية) هم إيزيديون الديانة ولا صلة لهم بالعرق الكردي. والبعض الآخر يرى أن (الإيزيدية) دين خاص بهم، لكنهم من العرق الكردي.وبعضهم لا يفضل استخدام كلمة (الإيزيديين الأكراد)، وتذهب المنظمة الثقافية للمجتمع في جورجيا بعدم الاعتراف بوجود صلة مع الأكراد المسلمين أو حركة حزب العمال الكردستاني. فالمجتمع الكردي في جورجيا لم يتوصل الى الاتفاق بين هذه الآراء المختلفة.

       كما يواجه أكراد جورجيا التهميش والإضعاف من قبل الحكومة الجورجية، فقد بلغ عددهم في جورجيا عام 1989م  نحو (33331) كردياً، وفي عام  بلغ عددهم 2002م نحو (20843) كردياً،  ويقال بأن هذه الأرقام مبالغ فيها، ففي عام 1980م كان المجتمع الكردي لا يزال له حضوره القوي في (تبليسي)، وكان فيها أحد أبرز المسارح الذي كان له سمعته الطيبة في معظم أرجاء العالم الكردي.  واليوم يتم استبعاد الأكراد من المناصب العامة والوظائف المهنية، حتى أصبح الأكراد الإيزيديون وفقاً لتقرير صادر عن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أنهم يحتلون الموقع الاجتماعي الأكثر هشاشة في البلاد.

      وفي مركز (Mtatsminda) تتحدث النساء عن أبنائهم المهاجرين إلى روسيا، وبناتهم المتواجدات في ألمانيا أو فرنسا أو كندا.  في الواقع، فإن المجتمع الكردي قد تعرض للذوبان بعد عام 1989م، واحتل معدل هجرة الأكراد من بين أعلى النسب بين الأقليات الجورجية، كما أن الشباب الإيزيديين الكرد ليس لديهم مستقبل واعد في جورجيا، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وعدم توفر فرص العمل (9).

     وقد أكد رجل الدين الإيزيدي (تنكيز باكويان) للرئيس الجورجي ساكاشفيلي: "أن الديانة الإيزدية والإيزديون لا يشكلون أي خطر على السلطة الجورجية؛ لأن الايزدية ليست ديانة تبشيرية، ومن جهة ثانية قال: ليس لهم أية سلطة لا محلية، ولا داخل الحكومة، بل أصبح الكرد هدفاً للمعاملة القاسية من قبل كبار المسؤولين الحكوميين الجورجيين، وليس لدينا مكان للعبادة فيها، وتحاول السلطات الحكومية أخذ المزيد من الأموال من الكرد مقابل قطع أراضي.

       وعلى الرغم من العلاقة الطيبة بين إقليم كردستان العراق وجورجيا، لم تتغير سياسية الحكومة الجورجية تجاه الأقلية الكردية ذات الأغلبية الإيزيدية لديها، ونتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية وسياسة التميز من قبل الحكومة هناك، فقد طلب أكثر من (4) آلاف مواطن جورجي في عام 2009م اللجوء إلى بولندا، وأكد المركز الأوربي لحقوق الأقليات بأن 90% من طالبي اللجوء أغلبهم من الإيزيدين، وأن البطالة والحالة الاقتصادية الصعبة، والتمييز السائد في المجتمع الجورجي تجاه الإيزيدين كان من الأسباب الرئيسة التي دفعتهم الى بيع ممتلكاتهم والهجرة الى أوربا (10).

        وتحدث رجل الدين الإيزيدي (بير ديما) رئيس اتحاد المثقفين الكورد في جورجيا عن أحوال الأكراد هناك حيث ذكر بأن غالبية أسماء أطفال الكرد منذ ستينيات القرن الماضي وإلى الآن هي أسماء روسية وجورجية، وقِلةٌ فقط من تُسمي أطفالها بأسماءَ كردية، وهذا يدلُّ على أثر الصهر القومي الذي تعرض له الكرد، وذكر المناطق التي قدم منها آباؤه وأجداده من كردستان إلى جورجيا، حيث كانوا يقيمون في قريتي (هاجلي) و (جوبوخليه) من قضائي (بيرغري) و (آفارش) في منطقة (سرحد) التابعة لولاية (وان)، وحتى عام 1918 كانت هنالك قرى إيزيدية كثيرة في منطقة (سرحد) مثل:( وان، بيازيد، أليشغر، سورملي، إغدير، قارص )، وإيزيديو ولاية (وان) كانوا يعرفون باسم قبيلة (زوقوريا).

     لقد حاول العثمانيون مراراً إزالة الإيزيدية من الوجود، فكانت الفرمانات العثمانية الصادرة تقضي باجتثاث الإيزيدية، يُضافُ إليها تلكَ الأعمال الوحشية التي غالباً ما كانت تتمُّ على يد الكرد المسلمين، نتيجة لذلك اضطرَوا إلى تركِ موطنهم والهجرة إلى (كيا دين) عام 1914م، واستقرار هناك حتى عام 1918، ثمَّ عبروا إلى أرمينيا وجورجيا.

        لقد أصدر الباحث (بير ديما) بالاشتراك مع غيره كتاباً بعنوان:(نماذج من الثقافة المدنية الكردية من المتحف الوطني الجورجي)، وهي دراسة أتت من دراسة للصناديق المغلقة والملفات والوثائق في قسم الأثنوغرافيا في متحف جورجيا، وبمشاركة مع الباحثة الكردية (د. لامارا)، ومدير قسم الأثنوغرافيا العالم الجورجي (إلدار نادر زاده)، نشروا كتاباً (البوماً) لصور الأدوات الكردية، بدعم مادي من رجل الأعمال الكردي (أمير خان اليخان موري). وبقيت أشياءٌ كرديةٌ كثيرةٌ في المتحفِ من: ألبسةٌ، أسلحةٌ، زينةٌ، أبسطة ...وقد جمعت أيام روسيا القيصرية. وهذا العمل المصور سيبقى شاهداً على التراث الكردي في جورجيا حتى لو ضاعتْ هذه الذخائرُ الكرديةُ في يوم ما.

     كما يعُد الباحث (بير ديما) كتاباً عن (العشائر الكردية الإيزيدية في قفقاسيا)، من خلال إجراء أبحاثٍاً حول الوثائق المتعلقة بالكرد في أرشيف الدولة الجورجية، ومن كتاباتٌ رائعةٌ لقناصل وضباط روسيا القيصرية حولَ العشائر ورؤساء العشائر وقرى الكرد، إلى جانب كتاباتٍ أخرى لباحثين كورد أمثال: محمد أمين زكي، عرب شمو، حجي جندي، أمين عفدال،جليلي جليل، أورديخان جليل... الخ.  كما توجد مقالاتٌ وموادٌ رائعةٌ في كتب وصحف ووثائق الدولة الجورجية حولَ حياة الكرد في جورجيا، ولكن إلى الآن لم تجمع في كتاب، وهنالكَ مثقفون كرد مهتمون بهذه المسائل، مثلَ: لامارا باشاييفا، وكرم أنغوصي، ومرازي أوزو، وكرم آموييف، وربما يتطوع أحدهم مستقبلاً ويجمع تلك المواد ويطبعها في كتاب.

       أما بخصوص وضع الأكراد في جورجيا فإن أوضاعُهم في الزمن السوفيتي السابق  كانت أفضلْ من الآن، فكانت الثقافةُ الكردية أكثرَ تطوراً، ولهم فرقاًٌ فولكلورية كوردية، ومسرحاً كردياً، ومعارضٌ فنيةٌ للتشكيليين الكرد، وتقوم بنشر مؤلفاتُ الكتاب والشعراء الكرد، لذلك كانت الحياة الثقافية الكردية في ذلك الزمن أكثر انتعاشاً ونشاطاً.

        بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق ساءَت الأوضاع وانهارَ كلُّ شيء مع بداية تسعينيات القرن العشرين، ولم تهتم الحكومة الجورجية المستقلة بشأن الأقليات الموجودة على أرضها،إضافةً إلى المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالبلاد، ولهذه الأسباب مجتمعةً غادرَ قِسمٌ كبيرٌ من الكرد إلى روسيا وأوروبا الغربية، وهنالكَ من يُغادرُ في الوقت الحالي أيضاً، ورويداً .. رويداً تقلُّ أعداد الكرد في جورجيا، أما الباقونَ فيفقدونَ لغتهم وثقافتهم وديانتهم وينصهرونَ بين الجورجيين، فالاستقطابُ الديني الجورجي الأرثوذكسي بلغَ مرتبة عالية، خاصة في المدارس الحكومية التي تؤثرُ على الأطفال الكرد في هذا الشأن (11).

 

المجلس الروحاني الإيزيدي يزور جورجيا:

 

    زار وفد من المجلس الروحاني الايزدي برئاسة الأمير تحسين سعيد بك جورجيا يوم 25 سبتمر 2012م، وقد وصل الوفد إلى العاصمة تبليسى وسط حشد جماهيري كبير من قبل الإيزيدية في جورجيا، وقام الوفد بوضع حجر الأساس لبناء مزار للديانة الايزدية في جورجيا  بدعم من الأمير تحسين سعيد بك ليكون مزاراً يجمع كل الايزدية في جورجيا، ومن خلالها يتم نشر فلسفة الديانة الايزدية وتاريخهم للجميع ويكون مكانا لإقامة الأعياد والمناسبات والمراسيم الدينية.

     كما هناك مشاركة إيزيدية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في جورجيا يوم الأول من أكتوبر 2012م (12).

ــــــــــــ

المصادر:

 

 (1) ويكيبيديا (الموسوعة الحرة).

(2) أحوال اللغة الكردية في "جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق" في الماضي والحاضر، بقلم: تيمور خليل، ترجمة دلاور زنكي، تاريخ23/2/2011م.

   (3) تيمور خليل: أحوال اللغة الكردية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق والحاضر، ترجمة دلاور زنكي، تاريخ23/2/2011م.

    (4)  الأكراد الإيزيديين في تبليسي، تقرير من إعداد: نيكولا لاندرو، وهو منشور في العدد 20/12/2006،  ترجم من قبل نيلس لارسون (في الأصل باللغة الفرنسية )، ظهرت لأول مرة في ، 2006 ، طبعة ديسمبر 12).

   من موقع القوقاز: www.caucaz.com/home

 (5) أ. Songhulashvili، مقالات عن التاريخ المعاصر لجورجيا ، تبليسي 2001 ، ص 101-103 ، Jaoshvili، جورجيا سيصدره السكان ، تبليسي ، 1996 ، ص  290 ؛   النتائج الرئيسية لتعداد سكان جورجيا ، تبليسي عام 2002 ، مقابل الأولى والثانية. وموقع: www.geogen.ge/indexen.php

 

(6) . Songhulashvili، مقالات عن التاريخ المعاصر لجورجيا ، تبليسي،2001 ، ص 101-103 ؛ Jaoshvili ، سكان جورجيا، تبليسي ، 1996 ، ص، 290 ؛ النتائج الرئيسية لتعداد سكان جورجيا ، تبليسي عام 2002، مقابل الأولى والثانية. موقع :www.geogen.ge/indexen.php

 (7) نيكولا لاندرو: مقال منشور في موقع القفقاس، 2006م:  CAUCAZ.COM

(8) الإيزيديون الكورد وأشوريو جورجيا.. محنة الشتات والاندماج في مجتمع مؤقت، ترجمة: راستيان قامشلو،12/4/2011م، مركز الدراسات السياسية والاجتماعية في السويد. والمقال اعتمد على المصادر التالية: من كلمة للمختص بالتاريخ وعلم الأنساب كريم انكوسي ألقيت في مؤتمر للبيت القفقاسي ناقشت مشاكل الجالية اليزيديية الكردية في 2002،  خطاب لمدير الفن في المسرح الكردي م.دزهافروف  في المؤتمر السابق، صحيفة  كافكافسكي عدد 53 سنة2002، صحيفة جورجيان تايم 2002، صحيفة تبليسي ايلبي 2002،  صحيفة اخيلي توبا 2002، صحيفة كفيليس بالترا 2002،  مقابلة للسيد جورجيو شاموييف 2003 رئيس المؤسسة الدولية لحماية حقوق و الميراث الديني والثقافي للكرد الإيزيديين، مقابلة للناطق باسم المؤتمر القومي الأشوري في جورجيا دافيد اداموف، تقارير معهد السلم والحرب 2003.

 (9)  من المراجع الروسية (ترجمة القوقل).  А.  Авдал ، Курды.  -- Кавказа Народы.  Т.  الثاني ، 1962 Москва ،  Т.  Ф.  Аристова ، Курды Закавказья ، Москва 1966 ،  Т.  Ф.  Аристова ، А ، Мамедназаров ، Курды.  -- Народы Средней Кавказа Азии и.  Т.  الثاني ، 1963 Москва

 (10) وضع الإيزدية في جورجيا: داود مراد الختاري، تاريخ 22/6/2011م . عن موقع: دوغات كم.

(11) الباحث الكردي"روهات آلاكوم: لقاء مع بير ديما، الترجمة عن الكردية: مصطفى إسماعيل، موقع ختاره مازن الإلكتروني.

(12) نقلاً عن موقع الألش.