Share |

التعددية الثقافية الليبرالية… شفان إبراهيم

إن المشكلة الأبرز التي عانتها التعددية الثقافية الليبرالية تجلت في أن جل الكتابات التي دارت حول هذا الموضوع عانت من " القومجية المنهجية" فما أن تظهر سياسات ودعوات للتعددية الثقافية الليبرالية،

حتى يهرول الشراح والمفسرون الى التركيز على بلد معين والاعتماد على الوقائع التي تخص ذلك البلد بعينه،أو تصرف شخصية سياسية معينة،والتركيز على بعض الأحداث واستراتيجيات المنظمات والأحزاب السياسية والطبيعة الانتخابية وغيرها في ذلك البلد،وصحيح أن هذه العوامل وهذه التجارب مهمة في شرح وتفصيل الحالات الجزئية الخاصة،لكن وفي السياق ذاته باتجاه أهمية التعددية الثقافية الليبرالية يتجلى وبوضوح تام أن التفسير الرئيسي والاهم إنما يكمن في القوى والديناميكيات الموجودة في عدد كبير من الدول الديمقراطية،لا التركيز على عوامل خاصة ببلدان معينة،مع العلم أن الاقتصار على الاستفادة من تجربة تعددية ثقافية ديمقراطية قد تتسبب بكارثة على احد البلدان المُقلدة نتيجة عدم اخذ الظروف الجيو سياسية والمتغيرات الدولية بالحسبان،عدا عن اختلاف طبيعة الشعوب السكنية والقاطنة في كل بلد،لكن لابد من التغيير ولابد من التعددية الثقافية الليبرالية.

لو نظرنا الى البلدان الغربية والتي بالرغم من الاختلاف في أنظمتها الحزبية والانتخابية إلا أنها تنشد دوما التغيير الديمقراطي والتعددية الليبرالية واحترام الأقليات،وهذه تعتبر من العوامل والقواسم المشتركة بين جميع الحكومات المتطورة،علماً أن هذه الأقليات وفي جميع أنحاء العالم أصبحت حازمة أكثر في مطالبها الحقوقية وأصبحت أكثر استعداداً للتضحية في سبيلها،وهناك عدد كبير من الدول التي أصبحت أكثر تقبلا لهذه المطالب،ومن بين اكبر العوامل التي عظمت من شأن هذا التنوع الثقافي العرقي كان العامل الإيديولوجي،والذي يعد اكبر أهمية على وجه التحديد ظهور ثقافة حقوق الإنسان وما نتج عنها من نقص وتقليل من شرعية السلطات المستبدة والأحكام العرفية والعنصرية،وهذه المثل العليا لحقوق الإنسان اثر ت أكثر في طريق تشكيل قضايا تعددية ثقافية وأسهمت بتوجيهها وتشذيبها لكي تتوافق مع قيم ومعايير حقوق الإنسان الدولية،علماً ن هذه الحقوق الإنسانية كان ينظر إليها من قبل الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية على أنها بديل للنظام الداخلي لأي دولة متعددة القوميات،أي أن هذه الحقوق كانت بمثابة حقوق الأقليات مما أحجم حقوق الأقليات لعشرات السنين،وانتشرت أخبار إحلال حقوق الإنسان محل حقوق الأقليات وأصبحت حقوق الإنسان هذه عبارة عن مجموعة من الحقوق الكفيلة بصيانة حقوق الأقليات لكن الأقليات لم يرتضوا بهذه العقلية وهذه الطريقة في حل مشاكلهم والإتيان بحقوقهم،وضغط على المنظمات الحقوقية لأجل إطلاق مجموعة من الأفكار المتعلقة بالمساواة العرقية ومحاربة العنصرية ومجموعة من التوصيات والقرارات السياسية الرافضة للهيراركية* العرفية والعنصرية،ما خلق بصورة طبيعية كفاح معاصر من اجل التعددية الثقافية وحقوق الأقليات،مما جعل هذا الكفاح من جانب حقوق الأقليات مغزول بشكل متين بالمثل العليا لحقوق الإنسان،لدرجة أن النموذج القائم على التعددية الثقافية الليبرالية أثبتت انه وعاء جاذب لتحويل العلاقات التاريخية للهيراركية والعداء الى علاقات مواطنة وديمقراطية،ولان المثل الأعلى الأخلاقي الجاذب والقوي نادراً ما يكون كافيا لتكوين إجماع حول إصلاحات سياسية محددة. لذا لابد من تقديم مبررات أكثر فطنة وإستراتيجية التي جعلت الجماعات والدول المسيطرة على استعداد لدعم أو على الأقل لقبول تبني إصلاحات تعددية ثقافية،وهذا يتطلب تغييرا في وضع الأمن السياسي في الديمقراطيات الفتية للبلدان المسحوقة فيها الديمقراطية،إضافة الى تغيرات في طبيعة الاقتصاد العالمي من حيث جعل من حق الأقليات التصرف بمواردها ضمن خطة مشتركة من الحكومة المركزية،وان يغدو لها حصة للصرفيات على مناطقها،واستقدام الاستثمارات الى مناطقها وغيرها،ولا يمكن أبدا إغفال أهمية المبررات الميدانية والمبررات الإستراتيجية ودورها في ظهور التعددية الثقافية في العالم المتحضر وأهميتها لان هذه التعددية في باقي أصقاع العالم وخاصة الدول التي لا تزال تعاني من جور الاستبداد والأنظمة الشمولية القمعية التي لا ترى في حقوق الأقليات إلا سبب للمزيد من القمع والتنكيل.

إن هذه التعددية الثقافية الليبرالية على نحو ما تطورت في الغرب وكانت نتائج صراعات مطولة،هدرت لأجلها بحوراً من الدماء لكنها في النهاية أثبتت علو كعبها ونجاحها حيث تحاربت واقتتلت أنواع مختلفة من الجماعات العرقية الثقافية،واليوم جميع هذه المكونات تتحرك من خلال كسارات قانونية وإدارية مختلفة ومتعددة ومتنوعة بعد أن فهمت الحكومات الغربية معنى التعددية،لذلك فإننا في بلدان الشرق الرهيب والخطير والذي يوحي خلال كل لحظة أن الخرائط والحدود يمكن أن تتغير،علينا أن نعي تماما استحالة فهم نظرية وتطبيقات التعددية الثقافية الليبرالية من دون أن نفهم طابع الجماعات المستهدفة المتنوعة وان نطلع على احتياجاتهم ورغباتهم وآلية انسحابها مع الواقع العياني للدولة،لأن أية محاولة لحلحلة أمور الأقليات على أنها مجرد رغبات وتطلعات عرقية صرفة سيكون مآلها الفشل،لذلك لابد من عد هذه المطالب على أساس أن جميع الأقليات لها الحق في موضوع ما،وان كل من ينتمي الى هذه الأقلية يحق له الموضوع الفلاني،لان أنواع شتى من الأقليات وفي بلدان مختلفة ولأجل أنوع مختلفة ومتعددة من حقوق الأقليات،يحق لكل منها الظفر بما يناسبها من الحقوق في بلدانها،وهذه الحقوق وهذه الأهداف تختلف من مجموعة الى أخرى وهو ما يمكن تسميته بمفتاح فهم التحديات المتضمنة في تقييم نجاحات هذه التعددية وقصورها حتى اليوم،وحين الخوض في غمار حقوق الأقليات وفق التعددية الثقافية الليبرالية،لابد من التركيز على جانب مهم جدا وهو أن هذه الحقوق لا يقتصر فقط كما لو كانت مركزة من البداية على موضوعات الاعتراف الرمزي كأنها ليست بذي صلة بما يتعلق بمواضيع توزيع الثروة وتقاسم السلطة السياسية،لان هناك حكومات وتحت ضغط معين اضطرت مكرهة لتقديم بعض الحقوق على صورة مطاليب خدمية كالاعتراف بهم مقابل عدم تدخل الأقليات في شؤون الحكم أو الاعتراف بشكل الهوية للأقليات مقابل مصالح تجنيها الحكومة المركزية من ذلك الاعتراف،وهذه العلاقة العائمة بين الاعتراف دون حق المشاركة في التصرف بالثروة أو الاعتراف بالهوية  لقاء خدمات ومصالح خاصة تجعل من هذه التعددية مشكوك فيها،لذا لابد من التوضيح أن هذه التعدية الثقافية الليبرالية لا تقتصر على مشكلة الاعتراف الرمزي أو الاعتراف بالهوية،فالتعددية الثقافية الليبرالية عالجت كذلك المشاركة في السلطة والموارد والمشاركة في صياغة قرارات الحكم والمحاكم الدستورية والإدارات وصياغة الدستور....ألخ وغيرها ويبدو ذلك واضحاً فيما يتعلق بالأقليات القومية والسكان الأصليين،حيث يُعاد بناء وإعادة ترميم الدول لابتكار وحدات سياسية جديدة تمكن الأقليات من الحكم الذاتي والابتعاد عن نماذج الدمج القسري للوحدة أو مركزية الدولة القومية،إضافة الى رفض هذه التعددية للإيديولوجيات القديمة للدولة الواحدة ووحدوية اللغة ووحدوية الشعارات ووحدوية مركز القرار السياسي،كما تسعى هذه التعددية في الارتقاء للوصول الى مصاف الدول الغربية التي تحتوي بلدانها سكان أصليين وجماعات قومية ثانوية،وتحولت من بلدان التصارع ألاثني الى دولا متعددة القوميات يعترف ب " الحكم الذاتي" للشعوب والقوميات  داخل حدود الدولة واحترمت حقوق الأقليات،واحترمت لغتهم وجعلها رسمية في مناطق تواجدهم واحترمت عاداتهم وتقاليدهم،إلا أن الأنظمة الشمولية العربية خاصة تابعت وأصرت على تبني سياسة غرس الهويات القومية للأكثرية قسرا في أدبيات وتطلعات الأقليات،وفرضت عليهم وعلى الجميع الو لاءات والطاعة والخنوع،وأجبرت الأقليات على التعلم بغلة غير لغتهم الأم وفرضت عليهم تاريخا غير تاريخهم،وفرضت مواد قومية غير قوميتهم وحولت أجهزة الأعلام الى أعلام قومي،ونشرت الرموز الشخصية للذات الرئاسية كذات شبيه بالذات الآلاهية ( حاشى لله)وفرضت أناشيد قومية،وعطل رسمية قومية وأسماء قومية ومناسبات قومية وأسماء دينية قومية،وأسماء مناطق قومية ونشيد قومي واسم دولة قومية وعلم قومي،  كل هذه الامور كانت تخص فئة واحدة فقط وتفرض على باقي الفئات والاثنيات والقوميات والطوائف والأقليات،لهذا كله لابد من ضمانات لتشكيلات سياسية لبناء دولة عصرية لا تهمش الأقليات القومية والسكان الأصليين والمهاجرين،وذلك عن طريق ضمان عدم استبعاد الجماعات والطوائف القومية والعمل على استيعابهم وجعل قضاياهم جزء من القضايا الوطنية ومنحهم ما يجعلهم يديرون مناطقهم بأنفسهم من فدرالية أو حكم ذاتي ضمن وحدة البلاد،لذا فان هذه التعددية الثقافية الليبرالية ستجد نفسها وقد تغلغلت الى أعماق  تلك الدول وفق منظور الأخر المختلف المساوي للأخر.

 Shivan46@gmail.com

تم الرجوع إلى كتاب..( التعددية الثقافية،ويل كيميليكيا....بتصرف)

·         الهيراركية: تفاوت في المراتب والأدوار