Share |

الحركة الكردية في غربي كردستان.. وخمسة وستون عاماً من النضال...بقلم: عزالدين ملا

إن استذكار أي شعب لمناسبة قومية أو وطنية ليس فقط الاحتفاء بالمناسبة، وإنما أخذ الدروس والعبر والاستفادة منها لمستقبل أفضل، ورفع القدرات لِما هي خير للشعب أو لفئة معينة، وكما يتم في كل سنة استذكار وضع أساسات لمشاريع جديدة أو وضع خطط وبرامج سياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية والعمل على تنفيذ تلك البرامج والخطط خلال تلك السنة لتبدأ في الاستذكار يليها وضع أساسات أخرى لمشاريع أخرى أو وضع خطط وبرامج أخرى لتنفيذه وهكذا لِما هو خير لتلك الفئة أو جماعة أو شعب.

هذا يعني أن الاستذكار لأي مناسبة هو تجديد للعهد والوعد لِمَنْ ضحوا وجاهدوا في وضع لبنات الأولى لِسلَّم الأهداف المشروعة نحو بناء المجتمع أو شعب وتطوره وتحرره من الأغلال والقيود للوصول إلى مستقبل أكثر جمالاً ونقاءً. أي أن الاستذكار هو الافتخار بالماضي وما حققوه من انجازات، ورسم خريطة لإكمال ما حققوه لغدٍ مشرق.

الحركة السياسية الكردية في غربي كردستان وفي كل عام، تحتفل بمناسبة تأسيس أول حزب كردي، والذي أسسته مجموعة من المناضلين اليافعين ممن كانوا يدرسون في الجامعات السورية آنذاك إضافة إلى شخصيات وطنية كانوا يخوضون غمار النضال ضمن جمعيات ومنتديات كردية، مثل جمعية خويبون و... و... ، قبل الخوض في غمار الماضي، وما قدّموه من تضحيات في سبيل القضية الكردية ورقيّها في سوريا، علينا أن نتحدث عن ما فائدة استذكار مناسبة تأسيس أول حزب والاحتفال به؟؟، وما الذي يجب أن نستخلصه من القيم والعبر لتكون المنارة التي تضيء مستقبلنا؟؟.

وما نلاحظه، أن معظم أحزاب الحركة السياسية الكردية في سوريا، تستذكر تلك المناسبة، وتحتفل بها وتنسبها لنفسها، دون أن تأخذ منها خلاصة الدروس من تلك الحقبة الزمنية والتي كانت أنظمة الحكم في أوج قوتها وجبروتها وشوفينيتها. وكيف أن فرقاء تلك الحقبة جابهوا جبروت النظام البعثي الشوفيني بصدور عارية وعزيمة وإرادة قوية، وكان رئيس الحزب الدكتور نورالدين ظاظا في مقدمة تلك المجابهات، وتعرّض لمختلف أساليب التعذيب والاعتقال التعسفي والنفي, ورغم كل ذلك بقي صامداً ومدافعاً عن قيم الكردايتي، ولم يتزحزح قيد أنملة عمّا كان ينادي به الحزب من أطروحاتٍ وأهدافٍ في تلك الحقبة الزمنية.

بعد مرور خمسة وستين عاما، أين تقف الحركة السياسية الكردية ؟ وماذا فعلت؟ منذ بداية الأزمة السورية وكما الحال قبلها بسبع سنوات أثناء الانتفاضة الكردية، ضربت الحركة الكردية حالة هيستيريا وإرباك وعدم الاستقرار في اتخاذ القرار الصائب عندما تعرضت لرياح الحدثين لأنها لم تتهيأ لأي طارئ قد يحصل، وكأنها لم تفكر يوماً أن طارئاً سيحدث، كل تلك الحركات في الشارع الكردي من الانتفاضة الكردية وإلى بداية الثورة السورية كانت شعبية شبابية بامتياز، القرار كان قرار الشباب الكردي بعيداً عن إملاءات حزبية، وبعد مرور أشهر عدة من الحراك الشبابي قررت الحركة الكردية خوض غمار الثورة، وكانت بداية تشتت الحراك الشبابي من خلال خرق الأيادي الحزبية إلى داخل البيت الشبابي، فكانت بداية التشتت.

وعليه، استمرّ التشتت في الحركة الكردية بعد أن انقسم إلى طرفين كرديين ومن هذين الطرفين تم تفريخ العشرات من الأحزاب والتيارات والتنظيمات حتى فاق تعدادها المائة.

الحركة السياسية الكردية مذ ذاك التاريخ تترنح يمنة ويسرة ولا تعلم على أيِّ شط ترسي سفنها وإلى أي وجهة تسير؟! بل بقيت بلا مشروع متكامل ولا برنامج سياسي آني ولا مستقبلي، حتى الخطط أنها بعيدة عنها ولا فكرت أو حاولت العمل عليها، فقط من هم في القمة، يتحاورون ويتناورون بعيداً عن الواقع الكردي المزري الذي يعيشه، ويعد هذه المرحلة من أسوأ مراحل الشعب الكردي على الاطلاق.

تبيّن ممّا سبق، أن ما تفعله الحركة الكردية الآن بالمقارنة مع بداية تأسيس أول حزب كردي سوري، يعد من أفشل المراحل سياسياً واجتماعياً، وتراجعت عمّا سبق أميالاً عديدة، لا مشروع ولا برامج ولا خطط لتدارك الخطر المحدق بالكرد السوريين، فقط وضع اليد على الخد وانتظار من يحقق لهم ما يتمنوه هم فقط دون الشعب الكردي.

بعد مرور خمسة وستين عاما، ومازال الأمل موجوداً ومازالت هناك فرصة لأن الحل السوري مازال ضمن سياسة الصراعات الدولية، والفرصة تبدأ بالنية الصادقة والإرادة الحقيقية للخروج من هذا المأزق.

قيادات الحركة الكردية مع مستقليها ومثقفيها أمام امتحان صعب، وليس من الصعب تجاوزه، فقط أن لا يرموا فشلهم على بعضهم البعض، الجميع مدانون، لا أحد بريء، الحمل الثقيل يتحمله الكل، والعبء على ظهر الجميع، فقط أن نتجاوز الأنا المدمرّة، وأن نبدأ من ذواتنا.

ليكن، ميلاد أول حزب كردي الخامس والستين بداية مراجعة الذات، والعمل على دراسة وتحليل كافة الجوانب السياسية والاقتصادية التي تكتنف الوضع السوري والكردي، ومن ثم وضع خطط وبرامج ومشاريع تتوافق مع المرحلة الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، الوضع المعيشي لم يعد له طاقة، والصراعات والتجاذبات والمقايضات التي تحدث حول الشعب الكردي لم تعد تحتمل، الخطر يحوم حول الجميع، والكارثة ستبتلع الجميع، وللتدارك فقط تحتاج إرادة الاعتراف بالضعف والفشل في التشتت، وما المطلوب سوى فتح النفوس وترك الصراعات الجانبية والعمل والتفكير بالبدء في الخطوات الوحدوية، لرفع من معنويات الشعب ليكونوا السند والعون لهم ووضع الخطط والبرامج المستقبلية، وهل هناك آذان صاغية؟.

 

 

باس نيوز