Share |

الكاتب الكردي زاكروس عثمان لجريدة التآخي" الكاتب لا يستطيع الانفصال عن مجرى الحياة.. ولا انتقاء جزئياتها وفق خياراته"

زاكروس عثمان

 

 

حاوره : هوزان أمين- الكاتب زاكروس عثمان من مواليد (تعلكي) عامودا في جنوب غرب كردستان، له اسهامات عديدة في مجال الشعر والمقالة والترجمة ، صدر له رواية معنونة " خارطة لاقاليم الروح "

 

من منشورات سما 2010 ،  يكتب باللغتين  العربية والكردية . حائز على الجائزة الأولى  في مهرجان الشعر الكردي الرابع عشر القصيدة الحديثة 2009، ينشر في العديد من الصحف والمواقع الكردية والعربية، لالقاء الضوء على شخصيته وعلى المستجدات التي طرأت على الساحة الكردية السورية، ومنها وضع الثقافة والمثقفين قبل وبعد الثورة،  اجرينا معه الحوار التالي  .

 

-          اولاً لنبدأ من قضية الكتابة والابداع ، كيف تطورت لديك وما هي سبل بروزها عندك ؟

 

-          ربما دودة الكتابة رافقتني منذ ولادتي ،لأنني منذ طفولتي المبكرة وقبل وعي بالحياة كنت أعيش أحلام كثيرة تكاد تكون متواصلة في نومي وصحوي، وكانت هذه الأحلام الخميرة الأولى التي خزنتها ذاكرتي لتكون مشاريع كتابة مستقبلا، والغريب أنني ما زلت أتذكر تلك الأحلام في أدق تفاصيلها لتبقى الخامة التي لا تنضب استمد منها نتاجي الأدبي شعرا ورواية، وكان من الطبيعي أن امتلك الأداة المناسبة لصقل هذه الخامات، وهي تحصيل مزيدا من الدراسة والمطالعة والاطلاع على التجارب الأدبية، والسعي الحثيث إلى التعلم وجني ثمار الثقافة ، حتى أتمكن من ممارسة هوايتي الطبيعية المفضلة وهي تصيد الأحلام ، وتحويلها من شكلها الخيالي غير المرئي إلى صيغة جديدة يمكن تلمسها على شكل نصوص مدونة على قصاصات دفاتري المدرسية، وبعد تراكم شيء من الخبرة والمعرفة وامتلاك شيء من أسرار الكتابة بدأت محاولاتي الأولى ولم يكن غرضي منها النشر بل كنت اكتبها لنفسي وحسب ، ومع الزمن تكدست لدي تلك القصاصات وتحولت دون أن ادري إلى مخطوطات أدبية وشعرية ، اطلع عليها الأصدقاء المقربون، واتفق الجميع على أنني شاعر ، وشجعوني على محاولة النشر وهذه كانت بدايتي على خطوط متعرجة وشائكة . 

 

-          هل الكاتب اسير لخياله ام يجب ان يكون واقعياً ، ويسرد من حياته اليومية ومجتمعه قصصاً وروايات حتى ينجح؟

 

-          لا اعرف لماذا يتهم الخيال دائما بأنه بعيد عن الواقع ، وفي الحقيقة أننا نجد في حالات كثيرة بان الخيال يعكس الواقع ولو بطريقة غير منطقية ، خاصة في الحالة الكردية التي في جوانب عديدة منها تكون أقصى من الخيال، هنا نحن ننسى بان الأدب له وظيفتان أساسيتان، الثانية هي أن الأدب أداة معرفية توجيهية تثقيفية تخدم موضوعا اجتماعيا أو سياسيا معينا، أما الأولى فهي وظيفة فنية جمالية ترفيهية قائمة على تذوق النص الأدبي والتمتع ببنائه الهيكلي ومضمونه الفكري، وإذا كنا نجد على مستوى العالم انقلابا في الميول والتوجهات لدى الرأي العام ، حيث يتم هجر الإيديولوجيات السياسية والفكرية والتحرر من قيود المدارس الأدبية التي سادت في أواسط القرن الماضي، فالأجيال الشابة لا تستسيغ النتاج الأدبي لتلك المرحلة ، بل تبحث عن أساليب جديدة توافق ميولها وأمزجتها وترضي ذائقتها الأدبية الصعبة، ذلك لان شبكات التواصل الاجتماعي أخذت تطرح أشكال أدبية مبتكرة تلاقي رواجا كبيرا لدى رواد / الفيسبوك / تويتر ، حيث يمكن القول أننا أصبحنا أمام ظاهرة  أدبية جديدة ومنفتحة ليست لها ضوابط أو قيود (أدب الفيسبوك ) حيث يركز النص الأدبي بكثافة شديدة في (قفشة ) أو (ومضة ) قصيرة وخاطفة غالبا ما تكون ممتعة ومبدعة، لأنها تنزع بشدة إلى الحرية ، في ظل هذه المنافسة الشديدة لن يستطيع الأدب بمختلف مذاهبه القديمة الصمود، ما لم يبدل بنائه الفني والفكري ويجدد مضمونه، تماشيا مع توجه الذوق العام نحو جماليات جديدة يجب أن تتوفر في النص الأدبي، فحين يحاول احدنا طرح إشكالية (واقعية ) اجتماعية أو سياسية في نص أدبي وفق المذهب الواقعي فان هذا النص سوف يتحول إلى أشبه ما يكون بتقرير صحفي جاف أو نشرة حزبية مقرفة ، أما  إذا تمكن الكاتب من توظيف خياله وقدم نفس الإشكاليات بطريقة خيالية فسوف يضفي على النص مسحة سحرية تغري القارئ بمتابعة قراءة النص الذي بين يديه ، وربما يتمكن كاتب ذو خيال خصب أن يطرح مشروع حل لمعضلة واقعية، ومن هنا نقول ليس هناك معيار ثابت لنجاح الكاتب وكذلك لا يوجد قالب ناجح وقالب فاشل ،هناك كثيرون اعتمدوا المدرسة الواقعية ولم ينجحوا وآخرون ركبوا صهوة الخيال وبه اقتحموا عمق الواقع وحققوا حضورا باهرا، وعلى رأسهم الكبير سليم بركات، اعتقد أن الكاتب الذي يحجز نفسه في قالب أدبي محدد – بذريعة الالتزام بقضية ما -  أنما يحد من حريته وبالتالي يقتل ملكة الإبداع لديه إن لم نقل يحكم على نفسه ككاتب بالإعدام، إذ من السهل علي الالتزام بهذه القضية عن طريق الخيال، نحن لسنا فقط في عصر الحرية ولكن كذلك في عصر الفانتازيا . 

 

-          انتم اليوم في ثورة كيف كانت اوضاع الثقافة والمثقفين الكرد في ظل السلطة الحاكمة في دمشق اليوم؟

 

-          لم يكن حظ الثقافة الكردية أفضل حالا من ملف القضية الكردية، حيث السلطة الدكتاتورية – الشوفينية تكافح الهوية الكردية وفق سياسة تميزية ممنهجة منذ عقود طويلة ، قوامها القضاء على الثقافة والتراث الأدبي واللغوي للشعب الكردي، بموجب هذه السياسة تم تطبيق تدابير وإجراءات قاسية جدا، لقمع الثقافة والأدب الكردي في سوريا، ومنها منع تداول اللغة الكردية شفاها أو كتابة في وسائل الإعلام والمطبوعات والكتب المدرسية، ولا يمكن توقع ازدهار الأدب والشعر لدى شعب ما بدون لغة ، فاللغة هي الأداة التي بدونها لا يمكن إنتاج عمل أدبي، وفي هذا السياق يتم تجريم أي شخص يقترف الثقافة الكردية سواء كتب عنها باللغة الكردية أو العربية، وكثيرا ما يتم ملاحقة الكتاب والأدباء والشعراء الأكراد ، ويتم زجهم في السجون أو معاقبتهم والضغط عليهم بمختلف الوسائل الاستخباراتية القذرة، بعبارة أخرى تعرضت الثقافة واللغة الكردية والأدب الكردي طوال نصف قرن لعملية تعذيب مستمرة تستهدف قتلها واقتلاعها من جذورها، وهذا ما يفسر الوضع المزري للواقع الثقافي في غرب كردستان .

 

-          كيف تقرأون وضع الثقافة والمثقفين في سوريا المستقبل ؟

 

-          هذا يتوقف على جملة آليات متعلقة بالحريات العامة والفردية وحق التعبير عن الرأي، وبالتالي وجود دستور عصري، يكفل حقوق المواطن ويضمن حقه الطبيعي في التمتع بحريته ، وهذا لن يتحقق بدون بناء دولة علمانية – ليبرالية تؤمن بالحرية والديمقراطية، وفي حال نجاح الثورة السورية ، فان الأوضاع سوف تسير نحو الأفضل في حقل الثقافة،لأننا نشهد الآن حراكا ثقافيا وإرهاصات فكرية ترافق الحراك السياسي ، خاصة لدى المكون الكردي، رغم أن الأمور لم تحسم على ارض الواقع ورغم وجود السلطة القمعية،حيث يمكن القول أن القاعدة الشعبية والنخبة قد باشرت عمليا ممارسة حقها في حرية التعبير والتمتع بحريتها .

 

-          في ظل الغياب الاداري والامني وفراغ السلطة ، برزت لديكم ظاهرة تأسيس الجمعيات والمؤسسات ، والاتحادات ، والمنتديات ، وبالطبع اغلبهم مرتبط بجهة حزبية معينة ، كيف يصنف الكاتب نفسه ، واين يجد له مكان بينها ؟

 

-          لعقود طويلة منع المثقفين الأكراد عامة من تأسيس أية هيئة أو مؤسسة ثقافية، حتى أصبح بناء مثل هذه الهيئات عقدة نفسية (حسرة) لدى هؤلاء المثقفين ، ولهذا لمجرد أنهم تلمسوا طعم الحرية ولو جزئيا سارعوا إلى تشكيل هذه المؤسسات وهذا حقهم الطبيعي، ولكن الذي حدث أن هذه الهيئات أخذت تتزايد بشكل مرضي ويمكن القول أن سرطان الأحزاب الكردية (الانشقاقات والمنافسات) انتقلت إلى المثقفين الأكراد، وهذا يضر بالأهداف الأساسية التي تشكلت لأجلها هذه المؤسسات وهي خدمة الثقافة واللغة الكردية، لتتحول إلى منابر جديدة للمنازعات والخصومات والمنافسات وتبادل الاتهامات والتجريح والإساءة، وبالتالي الإمعان في تمزيق الشارع الكردي، بالنسبة لنا وعلى مستوى عامودا عملنا مع مجموعة من مثقفيها على تشكيل هيئة ثقافية خاصة بنا، بعيدة عن المنافسات الحزبية، لاعتقادنا أن العمل الثقافي يجب أن يكون مستقلا عن العمل الحزبي، فالحزبية هي حجز لحرية المثقف ، وبالتالي حجر على حرية الرأي والتعبير، أي تعطيل لدوره الرئيسي وهو نقد الأخطاء وتنوير الأذهان .

 

-          هل عامودا مدينتك التي تنتمي اليها ، محررة اليوم ، وشاهدنا اعلام كردية او ربما حزبية ترفرف على المؤسسات والدوائر الرسمية ، هل انتم امام تأسيس سلطة وإدارة كردية ، ام الخوف والقلق وهاجس الخوف ما زال مخيماً ؟

 

-          يقول المثل الكردي (أن صوت الطبل يكون جميلا من بعيد) والمظاهر التي نجدها في عامودا ليست حقيقية ، الأمر وما فيه أن السلطة الدكتاتورية وجدت لأسباب خاصة متعلقة بها منذ انطلاقة ثورة الشعب السوري، أن لا تمارس التصعيد ضد الشعب الكردي، فقررت طواعية تقليص تواجدها الأمني في بعض المدن الكردية لتجنب أية مواجهة محتملة بين الحراك الكردي الميداني وبين أجهزته الأمنية ، ما قد يفجر الوضع في غرب كردستان وهذا ليس في صالح الطغمة الحاكمة، وعلى هذا الأساس تم فسح المجال لرفع الأعلام الكردية، وغيرها من هذه المظاهر، وقد استطاب الأمر لبعض الأطراف الكردية لتتخذ مسألة رفع الأعلام أداة للدعاية الحزبية، وما زال الحديث عن بناء أدارة كردية مبكرا جدا، خاصة أن أحزاب الحركة الكردية غير مهيأة لهذه الخطوة التاريخية، وهي في مجملها تتصارع على البيضة والدجاجة، و القضية  ليست قضية خوف من السلطة، أكثر مما هو خوف من هذه الأحزاب التي تنصب نفسها وصيا على شعب غرب كردستان وهي غير جديرة بهذه الوصاية، إذ رغم أن عمر الحركة الكردية قد جاوز الخمسين عاما ولكنها إجمالا تعيش مراهقة سياسية مزمنة، فماذا تتوقع من مصير لبيت مخترق ، يديره مراهق ارعن .

 

-          ربما تجاوزنا امور الكتابة والثقافة الى امور السياسة ، هل تجد بأن يكون الكاتب بمنحى عن السياسسة ويكون شغله الشاغل الكتاب والهم الابداعي فقط، ام انك ترى ان يكون الكاتب سياسياً ومثقفاً في الآن معاً  ؟

 

-          الحياة جملة علاقات مترابطة متشابكة مترافقة ، يصعب الفصل بينها، إلا في حالات البحث والدراسة ، بهدف تسهيل العمل المخبري على الباحث المختص، ولو نظرنا إلى حركة التاريخ فأننا سوف نجد كل مظاهره السياسية والاقتصادية ... الخ تسير معا بصيغة مركبة في مجرى واحد ، والكاتب لا يستطيع الانفصال عن مجرى الحياة، بكلمة أدق لا يستطيع انتقاء جزئياتها وفق خياراته، ومن هنا فان أي إنسان يمارس العمل السياسي ولو بشكل غير واع أو مدرك، ولهذا لا يمكن للكاتب أن ينفصل عن السياسة كما انه لا يستطيع الانفصال عن الجوانب الأخرى للحياة، إنما ثمة نقطة أساسية وهي يجب التمييز بين السياسة كظاهرة طبيعية في حياة الفرد والجماعة يمارسها تلقائيا في مجريات حياته اليومية، وبين العمل السياسي المنظم (السياسة حرفة )، أي الالتزام بخط إيديولوجي – سياسي معين ، والانضواء تحت راية تنظيم سياسي ، ربما يكون الأفضل للكاتب أن لا يلتزم بخط سياسي معين (عدم اتخاذ السياسة كحرفة ) وبالمقابل يعبر بحرية تامة عن أرائه بعيدا عن المؤثرات الحزبية والإيديولوجية، وهنا يجب التنويه بان الإبداع الأدبي  لا يناقض الالتزام الأخلاقي والسياسي بقضية عامة، ما المانع أن أكون كاتبا مستقلا عن حرفة السياسة وبنفس الوقت أن التزم بالقضية الكردية واعبر عنها في صيغة راقية من الإبداع الأدبي ، اعتقد أن زمن الواقعية الاشتراكية والالتزام الإيديولوجي قد انتهى وهنا اذكر طرفة وهي أن السلطة الدكتاتورية كانت تلاحق المثقف الكردي أكثر مما تلاحق السياسي المحترف،لأنها كانت تجد انه يلعب دورا سياسيا أكثر من السياسي نفسه وفهمكم كفاية  .  

جريدة التآخي :العدد والتاريخ: 6375 ، 2012-07-31