Share |

حوار جريدة التآخي مع المؤرخ الدكتور محمد الصويركي " صاحب المجلدات العشر من"الموسوعة الكبرى لمشاهير الكورد عبر التاريخ"... حاوره: هوزان أمين

      يعود له الفضل في البحث ونبش تاريخ أجداده الكورد في الأردن، وطبعها في كتابه المعنون:"الكورد الأردنيون ودورهم في بناء الأردن الحديث"، هو أيضاً صاحب "الموسوعة الكبرى لمشاهير الكورد عبر التاريخ" التي تصدر في أجزاء متسلسلة منذ عام 2008م

وحتى اليوم حتى بلغت نحوتسعة مجلدات ضخمة تظم بين دفتيها نبذ موجزة عن حياة عشرات المشاهير الكورد الذين خدموا الشعب الكوردي والأمم المجاورة من الترك والعرب والفرس على مدار التاريخ الإسلامي والعصر الحديث. وبرزوا في ميادين السياسة والفكر والعلم والأدب. بالإضافة الى ما نشره من الكتب والوثائق التي أغنت المكتبة العربية والكوردية بالمصادر الهامة عن تاريخ شعب وتاريخ أناس اشتهروا وعرفوا على أنهم من رواد العلم والمعرفة في الثقافة العربية والإسلامية، وكانوا في حقيقة الأمر يعودون بأصولهم الى جذور كوردية.

      كما صنف العشرات من المؤلفات والكتب التاريخية والتربوية والثقافية، هذا غيض عن فيض مما يكتبه في الصحف والمجلات والمواقع العربية والكوردية، إنه الدكتور محمد علي الصويركي الأردني الجنسية، الكوردي الأصل، والحائز على درجة الدكتوراه في الفلسفة/في التربية والمناهج، وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في تاريخ الأردن الحديث، وشغل أستاذاً مساعداً في المدارس والمعاهد والجامعات الأردنية والخليجية.

       لقد سمحت لنا الظروف بطرح بعض هذه الأسئلة عليه لتسليط الضوء على أبحاثة ونشاطاته، فاستجاب لنا مشكوراً.

 نرحب بك في البداية باسم جريدة التآخي، حبذا لو تحدثنا عن تاريخ عائلتك متى قدمت الى الأردن؟ ومن أين؟

     قدم جدي (محمد إبراهيم السويركي) الى شرقي الأردن في أواخر القرن التاسع عشر – أيام العهد العثماني- من مدينة (سويرك) الواقعة اليوم على نهر الفرات بين مدينتي أورفه وديار بكر في كوردستان الشمالية، واستقر في إحدى قرى محافظة اربد وتزوج من نساء تلك المنطقة، وعندما كان الأهالي يسألونه عن أصله واسم بلدته؟ كان يجيبهم: "أنا من سويرك"، فنسبوه الى تلك المدينة، أو ربما تكون اسماً لعشيرته، وبما أن الأهالي يشددون على نطق الحروف المتقاربة في النطق فيحولوا حرف (السين) الى (الصاد)، وهكذا تحول اسم (سويركي) الى (صويركي).

     بهذه المناسبة ينتسب الى مدينة (سويرك) المؤرخ  الكوردي المعروف (محمد علي عوني السويركي) مترجم "الشرفنامة" و"مشاهير الكورد" الى اللغة العربية، وبكل أسف مات جدنا ودفنت أسراره معه، لأنه كان خائفاً من ملاحقات السلطات العثمانية - ربما لجناية اقترفها في مدينة سويرك - أما أحفاده فيشكلون نحو أربعين عائلة تسكن اليوم في قرى ومدن جنين الصفا، تبنة، دير أبو سعيد، إربد، والزرقاء بالأردن.

حبذا لو تحدثنا عن الوجود الكوردي في بلاد الشام والأردن وتاريخه باختصار لو سمحت؟

     سكن الكورد بلاد الشام منذ بدايات العصر الإسلامي، لكنهم كثروا أيام الحروب الصليبية عندما استنجد بهم البطل الكوردي صلاح الدين الأيوبي وشكل منهم جيشا لمقاومة الغزاة الصليبين الذين احتلوا بلاد الشام، وقد لبوا ندائه بدافع ديني وعصبي فشكلوا غالبية الجيش الأيوبي الذي حرر به المنطقة من الصليبين خاصة بعد معركة حطين المعروفة.

     بعد استقرار الكورد في بلاد الشام شكلوا أحياءً خاصة بهم في مدن طرابلس وبيروت وحلب وحماة ودمشق والسلط والقدس وغزة ونابلس والخليل وغيرها....وعمل صلاح الدين الأيوبي على إقطاعهم الأراضي والممتلكات في مدن الشام من أجل صبغها بالطابع الإسلامي بعد أن أفرغها الصليبيون من سكانها، وليكونوا على أهبة الاستعداد لمقاومة الغزاة على المنطقة، وهذا الواقع ينطبق أيضاً على مصر التي نزلها العشرات من الجنود والعلماء والأدباء والتجار الكورد واستقروا في مدنها من الإسكندرية شمالا الى أسوان جنوبا. ومنذ العهد الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي استمر تدفق الأكراد الى المدن الشامية والمصرية وظل طوال العصر المملوكي والعثماني وحتى النصف الأول من القرن العشرين.

     مع مرور الأيام استعربت أكثر العائلات الكوردية التي استقرت في قرى ومدن بلاد الشام ولم تعد تحمل من هويتها الكوردية سوى بعض الملامح الجسمية والاسم الكوردي فقط، واندمجت بالمجتمعات الشامية السورية والمصرية بدافع المحافظة على مصالحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وساهموا في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر في تاريخ المنطقة منذ العهد المملوكي والعثماني والعصر الحديث. وبرز من بينهم عشرات الشخصيات باعتبارهم جزءاً من مواطنيها، وإن العقد الذي عقدوه مع إخوانهم العرب هو "رابطة الأخوة الإسلامية" لأن الدين الإسلامي ساوى بين الجميع، وأنه لا فرق بين عربي أو كوردي إلا بالتقوى والعمل الصالح، وأن كل بلد يرفع فيها اسم الله هي أرض للمسلمين جميعاً بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم.

    تحدثت بإسهاب في كتابك عن الأكراد في الأردن، ما الأدوار التي قاموا بها في سبيل بناء الأردن الحديث؟

     يبلغ عدد أكراد الأردن اليوم بحدود (50) ألفاً يقيمون في مختلف القرى والمدن الأردنية، وأول إشارة الى وجودهم عندما أسكن البطل صلاح الدين الأيوبي الفرقة الهكارية الكوردية في مدينة السلط لمراقبة تحركات الصليبين في غور الأردن، وبناء الأيوبيون قلعتي عجلون والسلط لهذا الأمر، وقد سمي المكان الذي سكنه أكراد السلط باسم "وادي الأكراد" الذي لازال يحمل هذا الاسم الى اليوم، والحي الذي سكنوه "حارة الأكراد". واستمر مجيء الكورد الى الأردن في العصر المملوكي والعثماني، ولكنهم كثروا في القرن التاسع عشر عندما بسطت العثمانيون سيطرتهم على الأردن واعتمدوا بشكل رئيس على العنصر الكوردي في إدارة المنطقة فكان غالبية الجنود والضباط والإداريين منهم، وتزوج بعضهم من أهالي المنطقة، وبعد تأسيس الأردن عام 1920م قدم العديد من أكراد دمشق إلى عمان واستوطنوها لتوفر فرص عمل جديدة .

     في ظل الإمارة والمملكة الأردنية نعمت الأقلية الكوردية في الأردن (الخمسون ألفاً) بالحرية والاستقرار وعدم الاضطهاد، والفضل يعود الى الحكم الهاشمي الرشيد الذي ساوى بين جميع أطياف المجتمع الأردني وجعل الجميع يستفيدون من مكاسب الدولة، فوصل بعض الكورد الى منصب رفيعة من أهمها رئاسة الوزراء الأردنية كالمرحوم سعد جمعة، وضمت الحكومات الأردنية بعض الوزراء الأكراد، أمثال: رشيد باشا المدفعي، يوسف مصطفى ذهني، صلاح جمعة، سعد الدين جمعة، أشرف الكوردي، عمر أشرف الكوردي، واختير بعضهم عضوا في مجلس الأعيان، ولديهم اليوم جمعية خاصة باسم (جمعية صلاح الدين الأيوبي)، وفرقة موسيقية كوردية تشارك في الاحتفالات والمناسبات الوطنية، ويسمح لهم بالاحتفال السنوي بعيد النوروز في مطلع كل عام، كما أسست حديثاً (الجمعية الأردنية الكوردية للثقافة)، و(جمعية الصداقة الأردنية الكوردية).       

    يعمل كورد الأردن اليوم في مختلف مرافق الدولة، فهم موجودون في سلك الجيش والأمن والمؤسسات الحكومية، ولهم مشاريع وأعمال تجارية وصناعية وخدمية في القطاع الخاص، ويسمح لهم بتسجيل قوميتهم (الكوردي) في وثائقهم الرسمية، وتسمية مواليدهم بالأسماء الكوردية.

    هل الاكراد في الاردن يجدون انفسهم غرباء عن ذلك الوطن، وما زالوا محافظون على عاداتهم وتقاليدهم الكوردية، ام انصهروا في بوتقة المجتمع الاردني، ولم يبقى معهم شيء يدل على اصولهم الكوردية سوى الاسامي ؟؟

   شعر أكراد الأردن بأنهمر جزء من النسيج الاجتماعي الأردني ويرون أنفسهم أنداداً ومتساوون معهم، فجرت بين الطرفين المصاهرات العائلية مما عزز أواصر المحبة والتقارب بين الجانبين، كما أن الشعب الأردني ينظر إليهم بمنظار الاحترام والتقدير، وأحياناً تجد من يصفهم باعتزاز:" أحفاد البطل صلاح الدين الأيوبي!".

     لذلك تمسك أكراد الأردن بوطنهم لأنه احتضنهم وعاملهم معاملة الند والاحترام، فساهموا في بناءه منذ تأسيس الإمارة 1921م، ثم عند قيام المملكة الحالية، وإذا ما قسنا انجازاتهم وما قدموه للدولة الأردنية ربما نجدها فاقت مساهمات بعض العشائر العربية هناك، لذلك تركوا بصمات واضحة في المجالات التجارية والثقافية والسياسية والرياضية والاقتصادية، وهم لا يشعروا بأي اضطهاد قومي أو سياسي أو غبن من جانب الدولة اتجاههم، وهذا ما ساعد في انسجامهم مع النسيج الاجتماعي المحلي.

    لكن المراقب يرى ضعف مشاركتهم في الحياة السياسية الأردنية وقلة حضورهم في مؤسسات المجتمع المدني، وذلك راجع إلى عدم وجود (كوتا) خاصة بهم في البرلمان مثل الشركس والشيشان والمسيحيون، وتكاسلهم بعدم مطالبتهم بهذا الحق الذي كفله لهم الدستور الأردني، وهذا أسهم في تهميشهم سياسياً، والتسريع في دمجهم بالمجتمع الأردني لغة وثقافة على حساب هويتهم الأصلية، ورغم ذلك لا يزال لديهم شعور قومي جارف، فنراهم يشاطرون أخوتهم في كوردستان المجزأة في أحزانهم وأفراحهم.

 

حبذا لو تعدد لنا بعض الأسماء من المقامات المشهورة في العالم العربي وثبت من خلال أبحاثك أنها كوردية الجذور؟

        لدينا عشرات الأعلام الذين نبغوا في العالم العربي وينحدرون من جذور كوردية، فهناك الملكة نفرتيتي الميتانية حاكمة مصر الفرعونية، وأمير الشعراء أحمد بك شوقي، والأسرة التيمورية في مصر التي نبغ منها: الشاعرة عائشة التيمورية، ورائد القصة القصيرة الأديب محمود تيمور، والمؤرخ والعلامة أحمد تيمور باشا، وهناك محرر المرأة قاسم أمين، والأديب واللغوي الدكتور حسن ظاظا، والأديب الذائع الصيت عباس محمود العقاد، والقارئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، والمفكر والمصلح الكبير الإمام محمد عبده، والدكتورة سهير القلماوي، ومؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا وأحفاده الذين حكموا مصر طوال مائة عام كان آخرهم الملك فاروق.

       في سوريا هناك المؤرخ والشاعر خير الدين الزركلي، ومؤسس المجمع اللغوي في دمشق الأديب محمد كورد علي، والمصلح عبد الرحمن الكواكبي، وسليمان الحلبي قاتل (كليبر) الجنرال الفرنسي في مصر، والمجاهد الكبير إبراهيم هنانو، ومفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو، والشيخ محمد سعيد البوطي، وفي الأردن المفكر والسياسي الأستاذ سعد جمعة، والأستاذ علي سيدو الكوردي.

   وفي العراق الشاعر الكبير معروف الرصافي، وبلند الحيدري، وجميل صدقي الزهاوي. وجميل باشا المدفعي، وجعفر باشا العسكري، وبكر صدقي، وجميل بابان...وغيرهم...

      وفي لبنان ظهر الأمير فخر الدين المعني الثاني حاكم جبل لبنان وسوريا في العهد العثماني، والمفكر والسياسي الشهير كمال جنبلاط وولده الأستاذ وليد بك جنبلاط...

كما لعالم الأدب والمعرفة أشخاصها المعروفين، لعالم الفن والثقافة أيضا أناس كورد معروفين. هل تعدد لنا بعضاً منهم؟

       في مجال الفن، برز في مصر الممثل القدير محمود المليجي، وصلاح السعدني، وسندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، وشقيقتها المطربة نجاة الصغيرة، والموسيقار عمر خورشيد، والمخرجان أحمد بدرخان وولده علي بدرخان. وفي سوريا هناك عشرات الفنانين مثل: نهاد قلعي (حسني البورزان)، خالد تاجا، منى واصف، سوزان نجم الدين، عبد الرحمن آل رشي، أنور البابا، طلحت حمدي.... ورانيا الكوردي في الأردن.

قمت بجمع وترجمة المئات من المصادر، وطبعت لغاية اليوم تسعة مجلدات من "الموسوعة الكبرى لمشاهير الكورد عبر التاريخ". هل لك أن تحدثنا عن تلك الموسوعة وآلية نشرك لتلك الأسماء؟ وكيفية حصولك على المعلومات؟

    لقد قمت بانجاز هذاالعمل الضخم بمفردي، علماً أن هذا العمل الموسوعي يحتاج إلى مجمع علمي أو مركز دراسات متخصص لإنجازه لكن استطعت انجاز المهمة، بهمة عالية، ونفس طويل بدافع الحماسة للأمة الكوردية التي اتشرف بالانتساب إليها، وإحساسي أن الأمة الكوردية لحقها الغبن على مرِّ التاريخ، وأن أعداء الكورد المعروفين حاولوا حجب الحقيقة الناصعة عن تاريخهم وانجازاتهم بدوافع عنصرية وشوفينية. لذلك حاولت جذب أنظار المثقفين العرب وسواهم إلى معرفة مساهمات إخوانهم الكورد في بناء الحضارة الإسلامية، وبناء الدول العربية الحديثة التي يتواجدون فيها، مروجا لشعار تحيا" الأخوةالعربية – الكوردية". وأنها حقيقة واقعية يفرضها التاريخ المشترك، والجوار الجغرافي،والدين الواحد، والمصير المشترك، وأن الكورد لا يأتي الأذى من جانبهم الى أخوتهم العرب.

       أما الموسوعة، فهي ترصد مشاهير الكورد الذيننبغوا في العهد الإسلامي والعصر الحديث في شتى المجالات، من بلاد كوردستان وخارجها... وهذا الكم الكبير من القامات والهامات المدون فيها هو مبعث فخر وعز وزهو للشعب الكوردي، فقد اثبتوا أنهم من أمة متحضرة ومثقفة لها تاريخ مؤغل في القدم، ساهم أبناؤها العظام وقاماتهم المديدة في كل العصور وفي كل الأزمان والأمكنة في تقدم ركب الحضارة الإسلامية والبشرية والإنسانية جمعا.

    تم جمع سير هؤلاء المشاهير من عشرات المصادر والمراجع التاريخية الإسلامية، ومن المراجع الحديثة المكتوبة باللغة العربية، ومن المواقع الالكترونية ومما يكتبه البعض عن نفسه ويزود بها المؤلف أو الناشر، وقد نشرت الدار العربية في بيروت هذه الموسوعات بداية عام 2008م في أربعة مجلدات، ثم تولت نشر الأجزاء الأخرى تباعاً حتى وصل عددها اليوم الى المجلد التاسع، وأتمنى نشر الجزء الأخير (العاشر) في مطلع العام القادم.

كلمة أخيرة تحب أن توجهها ؟

         أوجه كلمات الشكر والتقدير الى فخامة رئيس إقليم كوردستان العراق الأستاذ مسعود البرزاني لما قام ويقوم به من دور سياسي كبير في لم شمل الكورد وتوحيدهم في مختلف أرجاء كوردستان، فأثبت بأنه سياسي ماهر صقلته التجارب الحرب والسلم، فقدم للعالم نموذجا (لإقليم ديمقراطي حر آمن) ذو نمو اقتصادي كبيرة ضمن دول جوار تعاني من القتل والحروب والاستبداد.

      وأتطلع إلى مشاهدة محطات كوردية تبث باللغة العربية لكي نعرف من خلالها أخبار الإقليم والكورد في مختلف أرجاء العالم، ومد يد التواصل مع كورد الدول العربية من خلال تخصيص مقاعد جامعية لأبنائهم، ودعوة مثقفيهم لزيارة كوردستان العراق، لأنهم الجسر الذي يمهد لعلاقات كوردية- عربية قوية في المستقبل.

 

صور لبعض مؤلفات الدكتور محمد الصويركي

                                       

المصدر: جريدة التآخي العدد والتاريخ: 6814 ، 2014-03-30