Share |

حوار مع الكاتب والروائي الكوردي أنور محمد طاهر

هوزان أمين و انور محمد طاهر

 

حاوره : هوزان أمين - دهوك

انور محمد طاهر كاتب وروائي كوردي من دهوك ولد عام 1949 ، وخريج كلية الآداب قسم اللغة الكوردية جامعة بغداد، يمارس الكتابة من السبعينيات، صدر له اكثر من 15 كتاباً من قصص قصيرة الى روايات وترجمات وكتب نقدية، بالاضافة الى المئات من المقالات التي تتناول الأدب، يكتب باللغتين العربية والكوردية .

التقيناه في مكان عمله مكتبة البدرخانيين التي يديرها منذ عدة اعوام وطرحنا عليه عدة اسئلة تتعلق بشؤون وشجون الادب وخاصة في مجال كتاباته التي تتألف من القصص والرواية .

- طلبنا منه في بداية الامر ان يعرف قراء التآخي بنفسه أكثر فرحب وتحدث بكل سرور قائلاً ؟

نشأت فى كنف عائل دينية ، يمارسون التعليم الديني حوالي من ثلاثة قرون، حيث فتحت عيني على كتب جدي ووالدي حيث كان يحتفظ بكتب ومخططوطات كثيرة في مكتبته، وتربيت على قراءة الكتب وحب المطالعة منذ نعومة أظافري ، واتذكر انني قرأت اول  كتب خارج المنهاج المدرسي فى الصف الخامس الابتدائي، وأحببت الكتاب من يومها ،بدأت اقرض الشعر في سن مبكرة ، ومن ثم اتجهت الى كتابة القصص باللغة العربية حيث كتبت اول قصة في نشرة جدارية حينما كنت طالباً في المرحلة الثانوية وبعدها راسلت جريدة التآخي عام 1967 عندما كان رئيس تحريرها الشهيد صالح اليوسفي، وارسلت عدة مواضيع عن طريق البريد ولكن اكتشفت في نهاية الامر ان تلك الرسائل والمواضيع لم تكن تصل الجريدة نظراً لرقابة الاستخبارات العسكرية فى دائرة بريد دهوك آنذاك ، بعد ذلك اصبحت مراسلاً للجريدة في محافظة دهوك في حزيران من عام 1970، واستمرت صلتي بالكتب والامور الثقافية اكثر عندما كنت ادرس في بغداد ، وتوسعت آفاقي ومعرفتي حينما كنت اتردد على المكتبة الوطنية  والمكتبة المركزية لجامعة بغداد ومكتبة المتحف العراقي ومكتبة كلية الاداب.

- فلنبدأ من نشرك لاول قصة لك، حيث تعتبر انت احد رواد القصة الكوردية في منطقة بهدينان، حبذا لو تحدثنا عن تلك الفترة ؟

نشرت اول قصة قصيرة في جريدة ( هاوكاري) عام 1972، وواصلت النشر حيث شاركت بنشر قصص لي في نشرت ( هيفي) بدهوك كانت تصدر عن اتحاد معلمي كوردستان، ومن ثم اصبحت محرراً في اذاعة صوت كوردستان ، ابان ثورة ايلول عام 1974 وصدرت اول مجموعة قصصية لي عام 1983 حيث قدمتها الى الرقابة وراجعت دائرة الرقابة لعدة مرات الى ان كتبت تعهداً بعدم نشر قصة لي كان قد ترجمها الكاتب حسن سليفاني بعنوان ( نصوص الليل) وفي حال نشرها ساتعرض للتحقيق امام السلطات الامنية ووقعت على ذلك التعهد حين ذاك ، ولكنني تجاهلت الامر واخذت المخطوطة الى المطبعة لغرض طباعتها، وطبعت دون موافقة دائرة الرقابة على اساس ان الختم موجود على النسخة الاصلية، وبعد ذلك واصلت الكتابة والنشر، وقد تاثرت بقصص الادب العالمي المترجم ،وقصص الكتاب العربية حيث آليت على نفسي بان اقرأ كل القصص التي نشرتها مجلة الآداب البيروتية بين عامي 1953 و 1972علاوة على نهمى بقراءة الروايات وبعد ذلك طبعت مجموعة قصصية اخرى .

- بمن اقتديتم من كتاب القصة الكوردية حين ذاك ؟

لقد كان الادب الكوردي يفتقر الى القصة وخاصة اللهجة الكورمانجية ، فلم اجد قاص قبلي حتى استفيد من تجرته وخبرته ، لهذا اقتبست خبرتي من ناحية بناء القصص على قراءاتي باللغة العربية ، والقصص المترجمة الى اللغة العربية من الآداب العالمية وكذلك الكوردية لجيل الرواد من الكورد.

- فلنأتي الى حقبة اخرى وخاصة فترة الثمانينات اثناء حكم حزب البعث، حيث القمع والاضطهاد ونال ما ناله المثقفين ايضاً كيف كنتم تتأقلمون مع ذلك وكيف كنتم تسردون قصصكم ؟

اعتمدنا على الرمزية في كتابة القصة، فعندما كتبت قصة ( صيد الاسود) كنت اتناول شخصية كوردية وكتبتها بعد وفاته، واتذكر انه بعد نشر تلك القصة قام الاخ كريم جميل بياني بإقامة ندوة على هذه القصة، وتعمدت من عدم حضور  حيث ازلام النظام بتسجيل الندوه ثم طلبوا ترجمة لمضمونها و بطل القصة التي اتحدث عنها سرا، القصة كانت تدور قائد يتحضر على سرير الموت في دولة اجنبية وهو يتذكر تاريخه النضالي ومعاركه متداعيا ذكريات هذه التاريخ المرير.

- العملية الابداعية لديك تبدأ من القصة القصيرة ثم الطويلة الى ان تصل الى كتابة الرواية ؟

نعم بدأت بكتابة القصة القصيرة ومن ثم كتبت القصة الطويلة ومثال على ذلك قصة ( سليمي اسمري) وهي قصة طويلة تربو ل 60 صفحة من مجموعتي القصصية الاخيرة ، وهي عن حياة احد البيشمركة الذين ناضلوا كثيراً ومن ثم شرد عائلته وابيدت في حملات الانفال، وقد هاجر وتنقل في العديد من دول الجوار الى ان عاد الى كوردستان بعد الانتفاضة ، وجد نفسه وحيداً ، ونشرت هذه القصة من تداعيات هذه الشخصية التي كنت اعرفه شخصياً .

- لفتني كثيراً واقعية قصصك وكأنك تستقي من الفلكلور والموروث الشعبي اساساً في بناءك القصصي ؟

نعم وقد حاولت ان اكتب واضيف الفانتازيا الى قصصي كما في قصة ( مقهى العميان) والتي تدور حول شخصيات خيالية ، ولكنها تستند الى الواقع ، انما قصصي الاخرى قبل الانتفاضة وبعدها تعتمد على اناس حقيقيين نشاهدهم وتلتقي انت وانا بهم في اماكن عدة  واستقي مواضيع قصصي من الواقع الكوردستاني ، واعيش مع بطل القصة لمدة طويلة ، واتقمص شخصيته، ويعيش في ذاكرتي حتى يتخمر في مخيلتي ، واتررد في بداية الامر  لحين مجيئ الوقت المناسب واسجلها على الورق ، قد تبدأ القصة لدي من فكرة جداً بسيطة قد تحدث امامي فيتقدح في ذهني بتشكيل قصة حول ذلك ، ولا اخفي عليكم ان بعض القصص تكتبني، وابطالها يلحون علي بتدوينها كما في قصة " صيد الاسود " التي كنت اتعاطف مع بطل القصة كثيراً ، وبعد الانتهاء من كتابة حيث كانت مدينتي تغرق فى صمت مريب حيث كان ازلام النظام يخنقون الانفاس ويرعبون المواطنين حيث يملئون شوارعها بمسلحيها لترهيب اهلها فتخليت ان هذا البطل سينهض وينقذنا منهم.

- فلنأتي الى موضوع الرواية ، انت تعتبر احد اعمدة الرواية في منطقة بهدينان ، ما مستوى الرواية الكوردية اليوم ؟

نستطيع القول ان الرواية ، ابن الحضارة وتنشأ في جو من الحضارة والاستقرار ،او اقول ان الرواية هو الابن الشرعي للمدينة وهي عكس الشعر الذي لايحتاج الى هذه الاجواء ، الرواية هي نتاج حضاري وثقافي ومعرفي، والرواية الكوردية لا يتعدى عمرها الحقيقي اكثر من نصف قرن، فقد وجدت الرواية الكوردية في الاتحاد السوفييتي سابقاً منذ بداية الثلاثينات على يد الكاتب عرب شمو ، ولم يكن لنا اتصال بهم حيث لم نتعرف على عرب شمو إلا في نهاية السبعينات ، ولم يكن لنا صلة على ما نشر من قبل ، واعتقد انها انتشرت بعد السبعينيات الى ان وصلت مرحلة من التطور في التسعينيات ، ولكن بعد الانتفاضة وتشكيل حكومة اقليم كوردستان ، حيث زالت النظم الرقابية وتشريع قانون لا رقابة على المطبوعات من قبل البرلمان الكوردستاني ، تطورت الرواية الكوردية ونستطيع القول ان ربيع الرواية الكوردية قد بدأ مع بداية القرن الحالي ، فالمطبعات ما زالت ترفد المكتبات بالعديد من الروائيين الجدد الذين ظهروا اليوم .

- ماذا عن الرواية في منطقة بهدينان ومن هم من يكتبون الرواية ؟

الرواية في منطقتنا لا زالت في بدايتها ، ولكن رغم ذلك هناك بعض الاسماء مثل محمد سليم سوارى، حسن سليفاني ، تحسين نافشكي ، بلند محمد ، صبري سليفاني وهزرفان   ويحضرني هذه الأسماء الآن والرواية في مرحلة النضوج وإنها تحبو نحو مستقبل.

- بأي مستوى هي علاقاتكم مع الروائيين الكورد في الاجزاء الاخرى من كوردستان ؟

لقد كنا بعيدين عنهم وعن رواياتهم قبل الآن، ولكن اليوم وبسبب الانفتاح الثقافي الذي يشهده اقليم كوردستان اصبحت  لدينا علاقات معهم ، مثلاً محمد اوزون الذي طبعت بعض رواياته بالاحرف العربية ، وهناك روائيين كبار امثال حسن متي  وفرات جوهري وغيرهم من كتاب الرواية في شمال كوردستان.

- انت تكتب في مجال النقد ايضاً حيث طبع لك كتابان ، هل نستطيع القول اننا تجاوزنا مرحلة المديح وبدأنا بعملية النقد الادبي الصحيح ؟

نعم صدر لي كتابان تتناولان النقد حيث انقد فيها بعض النصوص الابداعية التي نشرت سواء من الرواية او القصة  والشعر ، واظن بان النقد في عافية جيدة ، فبعد ان كان النقد يشير الى مساوئ ومحاسن النص الابداعي ، اصبح النقد ان لا يكون الا إبداعا مكملاً لإبداع الكاتب ، وخرجنا من التشهير النقدي ولكن هناك بعض الممارسات التي لا اريد ان اتغافلها حيث ان هناك بعض الادباء يستغلون مواقعهم الثقافية ومناصبهم لابراز انفسهم او تسويق نتاجاتهم في عدة مجالات ، ولكن هذا ما يحدث في شعوب اخرى ، حيث وجندنا فى الساحة العراقية و العربية أيضاً نصوص  أدبية لأناس لهم مناصب سياسية كتب عنهم كثيراً وكثر الاطراء في مدحهم وعملوا المستحيل  لتسويق أدبهم وثقافتهم ، ولكن نجد انهم بعد ان يتركوا مراكزهم يتغافل عنهم النقد وظهروا على حقيقتهم، او هناك نوع آخر من النقد اسميتها النقد الاخواني ، اي صديق يكتب عن صديقه الكاتب او مجموعة تكتب عن اخرى وتمدحهم او تذمهم ، ان بداية النقد وخاصة النقد الاكاديمي الذي بدأ في الجامعات الكوردستانية تحبو الى نقد رصين ونقد جيد بفضل من يكتبون بضمير حي وإبداع..

- قلت في احدى مقابلاتك " ان المثقف كالذي قابض على جمرة من النار، لا يضحي بقضايا شعبه قيد انمله، ويحارب في عدة اتجاهات" هل انت محارب في جبهة الثقافة ؟

الاديب او المثقف كما عبر عنه المفكر الايطالي كرامشي " المثقف الذي يتفاعل مع مجتمعه  او المثقف العضوي، يكون كالرقيب على المجتمع " او على حد قول سارتر " المثقف هو الذي يتدخل فيما لا يعنيه" او الشاهد على عصره فالمثقف يجب ان يشخص الظواهر السلبية ومكامن الخلل والفساد ولا يخشى من قول الحق  ففي كل مجتمع  اذا كثر فيها المنافقين والانتهازيين فهذا دليل على ان هناك خلل، يجب تداركه ولا بد من ربان السفينة  إعادة النظر فى قراءة البوصلة بامعان والا تكون المسيرة فى امر لايحمد عقباه كثيراً ما يتعرض المثقف الى العديد من المضايقات من الذين يكرهونه، فهذا ما يحصل للاديب، الاديب الحقيقي والرصين هو الذي لا يبيع مبادئه وابداعه، ولا يتملق للسلطات السياسية الحاكمة وللسياسيين، فالاديب الحقيقي هو الذي يكافح بقلمه وهو الذي يجعل من كلمته اداة للمقاومة والتغيير والاصلاح .

-ما رأيك بالكتاب الذين يكتبون الادب الكوردي بلغير غير الكوردية، وهل تعتبر نتاجهم ادباً كوردياً ويخدم الثقافة الكوردية؟

لقد ناقشنا هذا الامر كثيراً، وهناك مجتمعات اخرى تعيش مثلنا، فنجد عند كتاب ومثقفي المغرب العربي وخاصة لدى الجزائريين نجدهم اكتبوا باللغة الفرنسية ، ولكنهم ذكروا هموم مجتمعهم ، ويخدم قضايا شعبهم، فلدينا كتاب كثر كتبوا ولا يزالون يكتبون باللغة العربية مثل سليم بركات، زهدي الداودي وعبدالمجيد لطفي وغيرهم ، ولكن حسب رأيي اقسم هؤلاء الى قسمين هناك كتاب يكتبون باللغة العربية، ولكنهم يحادثون هموم مجتمعهم بلغة اخرى، وهناك من يكتبون ولا يتطرقون الى هموم مجتمعهم، وسآتي بمثال آخر عن الكاتب الكوردي التركي المشهور يشار كمال جميع نتاجاته باللغة التركية، ولكنه يطرح هموم الشعب الكوردي، فنجده كتاب اسطورة جبل آكري، حيث يتحدث عن المجتمع الكوردي بجميع تفاصيله، ولكنه مكتوب باللغة التركية ودخل المكتبة التركية، لهذا فاللغة الكوردية عامل مهم ولكن اللغة المكتوبة وما يطرحه يأخذ بالدرجة الاولى .

-انت قارئ نهم وتقرأ باستمرار حسب ما اعلم ، بدليل انك تدير مكتبة ضخمة في دهوك ( مكتبة بدرخان) حبذا لو تعطينا فكرة مختصرة عن هذه المكتبة ؟

بالفعل انا اقرأ كثيراً، ولكن اكتب قليلاً ( بابتسامة) وهذه مشكلتي، والمكتبة لا اريد ان افارقها وابتعد عنها، انا عشت بين المكتبات طوال حياتي بدأً من منزلي الى دراستي في بغداد والى هنا، وتأثرت بالثقافات عديده، وبودي ان لاتفارقني ابداً ، فالمكتبة التي اديرها بدأت تكبر شيئاً فشيئاً، فعند مجيئي اليها كان عدد الكتب لم تتجاوز العشرة آلاف كتاب، اما الآن فقد تجاوزت الاربعة والخمسين الف كتاب ،بالاضافة الى العديد من الجرائد والمجلات الكورية والعربية  واريد ان انمي هذه المكتبة، حيث كانت امنيتي ان نجد مكتبة كبيرة، وقد نشرت مقالة فى عام  فى  1973 فى جريدتكم التاخي بعنوان (نحو إنشاء مكتبة كوردية) حيث تطرقت على مايعانيه المثقف الكوردي من معاناة عند كتابة بحث وبسبب معاناتنا نحن نطلب من المسؤولين الاهتمام بالمكتبات فى محافظة دهوك حيث نحن متخلفون من هذه الجانب وخاصة فى الاقضية التابعة للمحافظة.

 

المصدر جريدة التآخي -العدد والتاريخ: 6280 ، 2012-03-04