Share |

هنا كردستان …فاطمة ناعوت

فاطمة ناعوت في قاعة اتحاد الادباء الكورد في دهوك - اثناء القائها لقصائدها
فاطمة ناعوت في قاعة اتحاد الادباء الكورد في دهوك - اثناء القائها لقصائدها

فاطمة ناعوت هنا أرضُ الأحلام. أرض دُفع فيها دمٌ وروحٌ ووجع. هنا شعبٌ حَلُمَ حلماً هائلاً، على بساطته ومشروعيته. حق الحياة. لكن بشروط. شرط التمسّك بهُويةٍ تركها لهم الأجدادُ وسَرَت فى عروقهم، يأبون لها أن تفنى أو تُباد أو تندثر. دفنهم الفاشىُّ أحياءً فى مقابر جماعية، لكنهم بقوا. حرقَ أعضاءهم بالكيماوى، لكنهم بقَوا. مزّق أوصالَهم وسحق آدميتهم، لكنهم بقَوا.

بقوا، وسيبقون لأن الشعوبَ دائماً أبقى من حُكّامها، وأرقى. طارد لُغتَهم حتى يصمتَ اللسانُ الكردىُّ، ويفنى تراثهم وحضارتهم، لكنهم توارثوا أبجديتَهم جيلاً بعد جيل، وتناقلوا تراثَهم حتى وصل سليماً مُعافىً من السلف إلى الخلف. حاربوا الفناء بالشِّعر والفن والتشكيل والفولكلور وزهرة النرجس. حفظوا زيَّهم القديم يلبسونه فى الأعياد والمناسبات كيلا ينسى الأحفادُ ميراثَ السلف الذى حورب لكى تموت معه الهوية الكردية، تلك التى لم تمُتْ، ولن تموتَ، مادام إصرارٌ على البقاء. يدُ الله تمتدُ لتسندَ المقموعين ليحيوا، حين أُريدَ لهم أن يموتوا.

 

هنا كردستان. وشعبٌ من أرقى شعوب الأرض. رجالٌ يحترمون النساء، ونساءٌ يدركن أنهن كنزُ الأرض وهدية السماء لبنى الإنسان. هنا كردستان حيث شجرُ اللوز، وزهرُ النرجس الذى شكّلوا علَم إقليمهم من قلبه الأصفر كقرص الشمس، على خلفية بيضاء كاكتمال الإشراق، وشريط أخضر مثل النُّسْغ يسرى فى ساق الزهرة، وشريط أحمر بلون الدماء التى أُريقت حتى استقلوا وتحرَّروا واقتنصوا الحكمَ الذاتى عام 1991 من أنياب الديكتاتور العراقىّ. مئاتُ الآلاف من الأكراد السوريين ينتظرهم الآن مصيرٌ غامض يحلمون بوطن حرّ مثل ذاك الذى صنعه أقرانهم بكردستان العراق. صديقتى الشاعرة الكردية السورية «أخين ولات» قالت لى بالأمس ونحن على مائدة الشِّعر: «فقط نحلم أن نعيش دون أن تُسحق هويتنا». فى سوريا لا يحصل الكردىُّ على أى حق مواطنة ويُدعى: «مكتوم». إن هو وُلِدَ، لا تُسجّل له شهادةُ ميلاد، وإن مات، لا يشعر به أحد، لأنه غير موجود فى سجلات الدولة!

 

لماذا أكتبُ عن كردستان الآن؟ هذا المقال لا ينتمى لأدب الرحلات، بقدر ما ينتمى لأدب «الأحلام»، إن جاز التصنيف. أكتبُ عن هذا البلد الجميل، (ولن أقول: «إقليم»، لأنه بلدٌ كامل متكامل)، لأننى بقدر ما شعرتُ بالفرح للأكراد إذ اقتنصوا حريتَهم واستردوا هويتَهم، بقدر ما شعرتُ بالحزن على مصرَ التى تفقد هويتها وحريتها. أكتبُ لأننى حينما نظرتُ للصورة الكبيرة على الجدار، هتف صديقى «حسن سِليفانى»، رئيس اتحاد الأدباء الكرد، بفخر: هذا زعيمنا وقائدنا «مسعود البارزانى». متى يا مصرُ نشير إلى قائدنا، بفخر وفرح؟!

 

f.naoot@hotmail.com

المصدر :المصري اليوم