Share |

إفطار العريس...قصة: اسماعيل هاجاني

الكاتب اسماعيل هاجاني
الكاتب اسماعيل هاجاني

مضت سنتان مذ تعرفتَ عليه، جرى ذلك بسبب عملكما سوية في تبييض الجدران وصقلها. كان حرفيا ماهرا في مجال عمله. في يوم ما تناهت الى أسماعكم أصوات طبول ومزامير قادمة من أطراف القرية التي تعملون فيها. فألقى في ذلك الصباح الباكر مالَجه وأمسك بخرقة من القماش وشرع بالرقص وهو في مكانه وصاح مرتين وثلاث:

 -  فداك وفدى مزمارك نفسي ونفس أمي يا حاجكو! يا لك من زمّار ساحر. كأنني أراك الآن واقفا أمام شباك العروسين لتخاطب العريس منشدا على نغمات مزمارك:

"انهض يا عريس.

فطوركما جاهز

والمدعوون جاؤوا من بعيد.

أخواتك وبنات عمك ينتظرون خروجك"

وتوقف لحظة ثم قال:

- آهٍ متى يأتي اليوم الذي تقف فيه عند شباكنا أنا وشهلائي وتنفخ خديك عازفاً على مزمارك الأصفر، فترفع فوهته نحو السماء طورا وتنزلها طورا. إيه يا ملك الزمّارين. لسوف أعصيك وألبث في غرفتي حتى تعزف لحنك مرتين أو ثلاثا في ذلك الصباح الباكر وتوقظ الأموات من نومهم، عندها فقط أخرج مثل واحد من البكوات وأدور حولك بضع مرات ثم أقف في مكاني وأرقص هازاً بدني كله (1) وأفرغ فوق رأسك مسدسي ذا الأربع عشرة إطلاقه. ثم تتقدم البنات وتعلو الزعاريد فأمد يدي الى عبّي وأخرج رزمة من دنانير حمر أدسها في لُفافة رأسك بينما يغربل رفاقي وأبناء عمومتي السماء بالطلقات..

وتوقف فجأة وأطلق حسرةً طويلة ثم قال:

- آه، متى يأتي ذلك اليوم؟

- ولكن ماذا حدث وأين وصلت حكايتكما؟

سأله أحد أصدقائك فأجاب:

- ماذا أفعل يا أخي؟ لقد أرسلت الخاطبين ثلاث مرات دون فائدة. ابن عمها الخبيث يقف في طريقنا لأنه يريدها لنفسه. لقد بعثت الملالي والشيوخ  والأغوات لكن دون جدوى.

- وما الحل إذن؟ هل تريدنا أن نخطفها لك؟

- لا لن أفعل هذا، وأنت تعرف لماذا.

- تجنبا للثارات؟

- كلا، بل من أجل تلك الأغنية التي يغنيها حاجكويي في الصباح الباكر عندما يأتي لإيقاظ العريسين. أريد أن أصبح عريسا وأقيم حفل زفاف كبير.

عندما وقعت عيناك على شاهده بين القبور تذكرت قوله هذا فابتعدت عن الحشد ونسيت الميت والتابوت وأطلقت العنان لذاكرتك وسبحت في عالم الخيال.

آه من تلك الليلة السوداء، الليلة العاثرة، ليلة مقتل العشق المقدس، كل المدعوين كانوا يعرفون ما يقاسيه، حزينا كان، مكروبا، مهموما، يُلين قلب كل كافر قاسي الفؤاد. قبل الزفاف بيومين قال أحد أصدقائك:

- من الأفضل أن نذهب اليه نحن الاثنين ونطيّب خاطره ونبعده عن القرية خلال يومي الحفل. دعنا نذهب الى المدينة بحجة التنزه كي نشغله حتى ينتهي الحفل.

لكنه لم ينزل عند رأيكما وقال:

- أريد أن أراها بثياب العرس وأن أسمع بأذني. حاجكو عندما يغني لهما اغنية ايقاظ العروسين في الصباح الباكر.

أبعدتماه رويدا رويدا عن الحفل قبل أن يدخل العريس الى حجرته، وجلستم عند بيدر صديقكم الكبير، صديق الضيق، الذي نحّى السنابل وانتشل من تحتها كيسا ورقيا بلون التراب أخرج منه ثلاث قنانٍ صغيرة حمراء عريضة وشيئا من لقم الحلوى وقال:

- هيا نحتسي شيئا من هذا ونأكل قطعة من الحلوى. سيريحنا ذلك ويبعدنا عن هذه القرية العديمة الوجدان.

وعندما انطلقت صلية من رصاص شقت عنان السماء، وحمي صوت الحفل وعلت الزغاريد انتابته نوبة من البكاء وأخذ جسده يرتعش فضمه صديقه الكبير الى صدره وراح يربت على ظهره ويقول في أذنه:

- إهدأ يا أخي فلا أحد يعرف رزقه ولا أوان رحيله. إنها مشيئة الله على ما يبدو.

في تلك الليلة نمتم انتم الثلاثة فوق سطح بيت صديقكم. واكتشفتم حين استيقظتم في الصباح بأنه ليس في فراشه فتوجهتم بسرعة الى مكان الحفل. كان قد دخل الخيمة قبل الجميع كي يسمع مزمار حاجكو ساعة يوقظ العريسين. لم يكتف والد العريس بأن يعلق عددا من جلود الأغنام على جدران منزله كي يعرف المدعوون كم ذبح منها بل أضاف اليها بعض الجلود القديمة زيادة في الوجاهة.

قبيل أن تتوسط الشمس كبد السماء خرج العريسان للمشاركة في الرقص وشرع حاجكو بنفخ لحن الشاميران(2) بدت العروس حزينة مهمومة ولم ترفع رأسها غير أنها كانت تبحث عن حبيبها بطرف عينها. ورأته قائما على رؤوس أصابعه وقد لف عنقه بعمود الخيمة وهو يلهث بشدة. وما أن التقت عيناهما حتى تدلى عنقه وفقد وعيه. وتجمع الناس وعمت الفوضى، وشقت العروس ثوبها وأطلقت صرخة مدوية من الأعماق ثم فرّت الى غرفتها.

وألغي الحفل. ومسح عجوز ذو حلة زرقاء عينيه بطرف غطاء رأسه وتمتم بشيء ثم مضى.

إهداء

الى روح الشاب الذي كانت الهدية التي يتمناها أن يعزف له حاجكو لحنه الأثير:

- انهض يا عريس

مدعووك على عجل

وطريقهم بعيد.

لكن لا هو غدا عريسا ولا عاد حاجكو يعزف لعريسٍ بمزماره الأصفر.

 )من كتاب بانسيون الربوة العالية الصادر مؤخرا عن دار الثقافة الكردية في بغداد(

- (1)  يشير الى نوع من الرقصات الكردية يؤديها الشخص دون أن ينتقل من مكانه.

-(2)شامیرانێ اسم دبکە بطیئه الایقاع يشارك فيها العروسان عادة في الصباح التالي لليلة الزفاف، حيث ينشد المطرب أغنية بهذا الاسم مأخوذة من اسطورة تدور أحداثها فی منطقه وان.

 

----

ترجمها عن الكردية: ماجد الحيدر...جريدة الحقيقة