Share |

الواقع الثقافي الكوردي السوري- مؤسسة سما نموذجاً

 

اعداد : هوزان أمين – دهوك- غُيبت الثقافة الكوردية السورية منذ سنوات طويلة عن الساحة الثقافية السورية العامة  قسراً بفعل عدة عوامل لعل أهمها التضييق السياسي من قبل الانظمة المتعاقبة على حكم سوريا منذ عقود من الزمن وإلى الآن، بل الانكى من ذلك فقد شوهت

 وعوملت الثقافة الكوردية على اساس التمييز والانفصال ونعتت بالعديد من الصفات التي همشتها وابعدتها من القيام بدورها المنوط بها،  مما جعلتها محاصرة ومقعدة وبعيدة عن التفعيل والتنشيط والتطوير، باستثناء بعض فترات من الزمن حيث شهدت عملية غض النظر عن نشر الثقافة الكوردية، لكن دون إعطاء التراخيص القانونية بذلك، هذه الامور حالت دون قيام المثقفون والمتنورون  برسم معالم الثقافة الكوردية في سوريا ، ذلك الجزء الصغير من الوطن المقسم كوردستان ، والمشهور بالعديد من الاسامي الثقافية الكثيرة والمبدعة والقامات العالية والتي خدمت الثقافة الكوردية العامة وبرزت الى الوجود وفرضت ذاتها.

فالمثقفون الكورد في سوريا ونتيجة لتلك الظروف لم يستطعوا ان يخلقوا لانفسهم كيان ثقافي موحد، وكانوا يتحركون مع الرياح السياسية التي كانت تهب في تلك الاوقات ، هذه الاسباب والاسباب الآنفة الذكر اجبرت على رحيل الاقلام النيَرة والمتطلعة إلى فضاء يحقق لهم نوعاً من الحرية الى بلاد الغربة ، وبما ان الوزن الثقافي الكوردي بحاجة الى جهود مجموعة وليس افراد ، وكذلك الى عمل تنسيقي أو مؤسسي ، هذا الفضاء لم تنجزه التنظيمات السياسية الكوردية على ساحة سوريا ولا حتى في خارجها ، حتى وان نظمت او اقيمت بعض اشباه المؤسسات في الخارج لكن كانت فئوية وضيقة وتعاني من تسلط الحزبيين عليها ، هذا الامر دفع بفئة مستقلة وغير حزبية الى الظهور من ضمن الجاليات الكوردية في الخارج كمحاولة منها لتدارك الامر وانقاذ ما يمكن انقاذه عن طريق اقامة جمعيات او مؤسسات تعنى بالشؤون الثقافية الكوردية السورية.

وما مؤسسة سما للثقافة والفنون إلا مثال على محاولة الدفع بالمشهد الثقافي الكوردي الى الامام وفتح آفاق العمل الابداعي امام الاجيال الشابة ومساعدة تلك الاصوات الخافتة على الظهور عبر تقديم دعم مادي ومعنوي لهم لكي تجد نتاجاتهم النور ، ومحاولة ايضاً للم الشمل الكوردي في ذلك البلد البعيد عن جغرافية كوردستان لاجل المحافظة على عادات وتقاليد الكورد هناك خوفاً من الانحلال والانصهار.

وعن فكرة انشاء مؤسسة سما للثقافة والفنون يقول مديرها وأحد مؤسسها السيد عارف رمضان" لعل انشاء مؤسسة كوردية في ذلك الوقت لهو من الانجازات المهمة لان الرقي والتطور الحاصل في المجتمعات على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، تدفعك  ملاحقة هذا التطور ولو بالحد الادنى".  

 " كذلك يجب تجاوز عقدة الانانية الحزبية وان بقينا واصرينا على الامر سنكون دائماً عرضة لموجات التخلف والبعد عن ركب التقدم والتطور الذي يحصل في كل المجتمعات وهذا الامر يجعلنا نعلم مدى التشرزم والتشتت الحاصل في مجتمعنا الكوردستاني" .

وعن اهم عوامل انشاء تلك المؤسسة يقول" لقد وجدنا الزمان والمكان المناسبين واستنتجنا بان الفراغ عميق بين نفوس ابناء الجالية الكوردية في الامارات ويستوجب ملئه بالوسائل الثقافية والاهلية والمدنية"  .

" تبلورت لدينا الفكرة انا ومجموعة من المثقفين الآخرين وتأكدنا على ضرورة انشاء جمعية او حتى موقع الكتروني في بداية الامر وحصرها  تحت ستارٍ ثقافي بعيد عن الاطر الحزبية، حتى وصلنا الى تأسيس سما "

بالفعل انه من الطرق المناسبة  للتعبير وفتح الطريق امام الابداع ومن اهم الاعمال الواجبة دفعها قدماً في مواجهة هذا الكم الهائل من التناقضات والافرازات التي نتجت من تارخٍ مليىء بالضغط والكبت المفروضين من سياسات الحكومات التي تتمسك بكوردستان بالقوة ولا تريد التخلي عنها ، والانكى من ذلك تريد فرض ثقافتها ومحو ثقافة الكورد من الوجود ضمن عملية ابادة منظمة تمارسها كلٍ من تركيا وايران وسوريا"

كما يبدي السيد عارف رمضان برأيه ويقول ان من العوامل التي ادت الى انشاء المؤسسة والتي شجعتهم على تأسيسها هو  التحول الكبير الذي حصل في العراق وانهيار النظام العراقي البائد وبداية تشكيل نواة لدولة كوردية في كوردستان العراق  بعد اقرار العراق دولة فدرالية ويتكون من قوميتين اساسيتين الكورد والعرب . والاستحقاقات التي جرت في العراق والتصويت عليها عبر انتخابات عام 2005 وتكلل في النهاية بإقرار دستور عادل وديمقراطي يحفظ حقوق القوميات والاقليات الاثنية والطائفية في العراق .   

وها قد شكلت للاكراد كيان سياسي مستقل موثق في الدساتير ( اقليم كردستان ) وقد اثرت هذه على شؤون الاكراد في الاجزاء الاخرى من كردستان وخارج كردستان واعطتهم الدفع القوي لمحاولة التجمع واجتياز حالة التبعثر هنا وهناك ، وعلى ضرورة المضي في خلق مرحلة جديدة.

 وقد دحضت بذلك كل المراهنات وكانت ضربة في صميم الانظمة الشمولية والمستبدة التي تحكم مجتمعاتها بالحديد والنار . نعم انه لامر مهم الحديث عن هذه النقطة لانه لو لم ندرك حجم هذه العملية القوية في التحول ، لما ندرك الحقيقة ان هناك واقع مفروض ويجب التقيد به وان هناك نهاية لكل نظام ظالم مستبد لا بد انه قادم ويضع حدأ للطغيان والجبروت الذي يفرض على شعبنا.

 وفي ذلك الاطار يستمر السيد رمضان بالحديث قائلاً"  للمؤسسات الثقافية دور مهم في حياة الإبداع الكوردي، وفي هذه المرحلة بالذات لأن على المثقف الكوردي أن يثبت ذاته  ويتمسك بكورديته ، وعلى هذا الأساس من حق المثقفين  الكورد أن يعملوا على  انشاء وتأسيس مؤسسات تخدم الثقافة الكوردية دون أن تفكر بربح مادي"

وسألناه عن دور المثقفين في المجتمعات واهميتهم قال" ان دور الكتاب والمثقفين  في اعلاء شأن المجتمع واضح وجلي  في تغيير الواقع  وابداء الغيرة والخوف عليه عبر كافة جوانب ونواحي الحياة  فالمثقف يدرك ويعي الواقع قبل غيره ويستطيع التكهن بالمستقبل . فالثقافة والفن بما تشمله بكل فروعها ونواحيها دور كبير يفرض عليهم  . ومثال على ذلك في عصور النهضة والتنوير حيث اصبح المثقف والفنان كالشمعة التي تحترق لتنير درب شعوبهم الغارقة في الظلام . واحياناً اخرى اصبحوا ضحايا لافكارهم في سبيل خير وتطور مجتمعاتهم" .

 وقد لاقت تأسيس هذه المؤسسة الترحيب من قبل المثقف الكوردي لان هذه المؤسسة  وضعت نصب اعينها نشر إبداع الكورد، وخاصة المبدعين الذين أحسوا بيأس وسأم من ظروفهم التي لا تساعدعلى نشر كتبهم ونتاجاتهم  على حسابهم الشخصي  .

 فالمؤسسات الثقافية يجب ان يلعبوا ادوارهم على اتم وجه ، ومنها مؤسسة سما لانها وضعت اهداف ذات قيمة انسانية عالية امامها وتهدف الى جعل نفسها جسراً بين الشعوب وثقافاتهم وايجاد صيغ بديلة اكثر رقياً وتقدماً  وتعمل على اسس  ديمقراطية تحكمها المبادىء والقيم السامية.

 وفي السنوات الاخيرة برزت الى السطح مفاهيم جديدة على غرار المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الاهلية وطرح انفسهم بدائل عن تلك القوانين والانظمة القديمة ، في ادارة شؤون البلاد على اسس الديمقراطية والانسانية

 لمحة مختصرة عن  مؤسسة ( سما ) للثقافة والفنون  في دبي  :

أخذت مؤسسة سما الرخصة في خريف عام 2005 ، وبدأت في اقامة النشاطات الثقافية منذ ذلك الوقت . ان مؤسسة كهذه في دولة خليجية لهو انجاز حضاري يستحق كل الحب والاحترام . ربما للمكان وزمان تأسيسها دلالة على اهمية هكذا مشروع لانه، ولاول مرة يتم البدء بهكذا مشاريع وخاصة دولة الامارات العربية المتحدة  هنا تكمن الاهمية بقدر اهميتها مؤسسة ثقافية فنية تعي وتعني بشؤون الاكراد الثقافية وتخلق اجواءً للحوار بين المثقفين العرب والكورد بعد القطيعة.

فالجالية الكوردية في دول الخليج والامارات تحديداً موجودة هناك منذ فترة ليست بقصيرة ، ونعلم الاسباب التي ادت الى هجرة هؤلاء . سواء كانت سياسية هرباً من بطش وظلم وتسلط السلطات الحاكمة على اجزاء كوردستان او طلباً للعمل لرفع مستوياتهم المالية  و رغم ان اكثر ابناء الجالية الكوردية هناك يعملون في الحقل الثقافي والتعليمي أو تجار يعملون في الحقل التجاري.

فقيام مؤسسة كهذه في دولة بعيدة جغرافياً عن كردستان ومحاولة جمع الشتات الكردي هناك تحت لوائها وتصبح بمثابة المرجعية لهم بدل حالة التشرزم والتشتت التي بصمت بصماتها هناك ايضاً نتيجة الاوضاع المعاشة في كوردستان وانعكاسها هناك .

نشاطات مؤسسة سما:

 جعلت مؤسسة سما الثقافة شعاراً ومنطلقاً لكل نشاطاتها  وتحاول ان تساهم في تطوير مجمل انواع الثقافة من ادب وفن وشعر واحياء الفلكلور الكوردي وتعريفها بالاخرين ، واقامة منتديات ومؤتمرات وإلقاء المحاضرات وتسلط الاضواء على القضية الكردية في مكان هم بعيدون عن معرفة الاكراد وتعريف الاكراد بالشعوب الاخرى ، لهي اهداف نبيلة وسامية.

- عقد "الملتقى الثقافي الكردي العربي الاول"في امارة الشارقة وكانت هذه من باكورة نشاطاتها والتي جعلت من المؤسسة منبراً حراً لاطلاق الخطوة الاولى نحو بناء الجسور بين المثقفين العرب والكرد في 2/12/2005 . حيث حضر هذا الملتقى المئات من المثقفين من داخل الامارات وخارجها  من الكورد والعرب والقيت العديد من المحاضرات .وتلقت المؤسسة حين ذاك أكثر من مائة  برقية تهنئة من شخصيات واحزاب ومؤسسات رسمية وجهات اعلامية  .  وشارك فيها وفود من اقليم كوردستان ممثلاً بوزارة الثقافة في الاقليم والعديد من المؤسسات الثقافية والادبية وكانت لها الصدى الواسع في الاعلام الاماراتي والكوردي .

– طبع ونشر العديد من النتاجات الثقافية  من كتب ودوواين شعر حيث وصلت سلسلة منشوراتها الى 35 مطبوعة من كافة مشارب الادب وكذلك تسجيل الاغاني والكليبات لفنانين كورد معروفين.

- اطلاق موقع الكتروني بثلاث لغات لتغطية كافة النشاطات التي تقوم بها المؤسسة واصبح منبراً حراً لكل من يريد ابداء رأيه او نشر مقالته .

- إقامة مهرجان فني و موسيقي  في صالة ميديا بعاصمة اقليم كردستان العراق( اربيل)  بتاريخ 30/1/2006 بمناسبة توحيد الادارتين في كوردستان والذكرى الستين لتأسيس جمهورية مهاباد وميلاد الشاعر والسياسي الكردي اوصمان صبري. احياها العديد من الفنانين المشهورين وحضرها وفد رفيع المستوى من حكومة اقليم كوردستان ، وممثلي العديد من المؤسسات  .

-  مشاركة المؤسسة في مهرجان التسوق الدولي في دبي ( القرية العالمية) وبالتعاون مع وزارة الثقافة في اقليم كوردستان العراق وقامت بإستضافة فرقة اربيل الفلكلورية في جناح خاص لعرض اللوحات الفنية الراقصة وتعريف الكرد وفلكلوره اما الملايين من المتسوقين  في 15/2/2006   .

-  اقامة العديد من النشاطات المتفرقة والمشاركة في العديد من المهرجانات نعدد منها

- مشاركة مؤسسة سما في العديد من المهرجانات والندوات والمحاضرات في دبي وفي كوردستان  ومنها مهرجان دهوك الثقافي و مهرجان الارض بالعاصمة النرويجية أوسلو  .

- إنشاء مكتبة كردية في دبي تحتوي على المئات من الكتب الكوردية والعربية( سياسية – ثقافية – ادبية )  لتكون مرجع ومصدر لكل من يرغب بالتعرف على الكورد وتاريخهم.

- اقامة حفلة نوروز في الامارات لعدة اعوام متتالية ودعوة كبار الفنانين الكورد امثال شفان برور وجوان حاجو ...الخ.

- عقد العلاقات مع المؤسسات الثقافية والفنية على صعيد الامارات وكوردستان والعالم.

- رعاية العديد من الافطارات الرمضانية بالتعاون مع الجالية الكردية وكذلك اقامة مجالس العزاء.

 هذه ابرز النشاطات التي طغت على اعمال المؤسسة خلال الفترة الماضية من عمر المؤسسة كما هناك العديد من النشاطات الاخرى التي تصب في خانة العمل الخدماتي والانساني لامجال لذكرها.

وجدير بالذكر ان مؤسسة سما اعطت الاولوية لاكراد جنوب غرب كوردستان( سوريا )في اطار عملها وبرنامجها كون مؤسسيها من اكراد سوريا وان نسبة الاكراد السوريين الموجودين في الامارات عالية مقايسة مع الاكراد من الاجزاء الاخرى بالاضافة الى ان الاكراد في سوريا محرومين من كافة الحقوق الثقافية ومضطهدين سياسياً ، وليست لديهم مؤسسات او جمعيات ترعى شؤونهم الثقافية والفنية داخل الوطن، لذا جعلت  من المؤسسة سند ودعم لهم ، ووسيلة لتخفيف حالة الاحتقان التي يعيشونها لاظهار مواهبهم الثقافية والفنية عبر طباعة نتاجاتهم الفكرية والفنية وفتح المجال لهم للمشاركة في المناسبات الوطنية خارج سوريا، وهم يتطلعون اليها بأمل كبير ، ربما تستطيع تأمين الجزء اليسير من آمالهم وطموحاتهم.

 وفي النهاية قال مدير مؤسسة سما وراعي نشاطاتها التي كانت تمول من قبل مجموعة شركات عارف رمضان التجارية"  كما هو معلوم الآن هناك الشعب السوري في حالة ثورة والاكراد هناك منخرطون فيها ومؤسسة سما ايضاً متوقفة منذ فترة من الزمن لاسباب مادية وآخرى متعلقة بهذه الاوضاع حيث التفرغ الى الثورة ودعمها ايضاً هي احدى اهداف هذه المؤسسة ، وما التغيير الذي سيحصل في المجتمع السوري بزوال النظام البعثي هناك سيؤثر ايجابياً على جميع الاوضاع وبذلك ستزول كل العقبات التي كانت تحول دون قيام مؤسسات علنية على الارض داخل سوريا، وستظل المؤسسة تثابر على عملها حتى تحقيق اهدافها ويدنا مفتوحة للتعاون والتنسيق مع جميع الجهات ، لاجل تقوية هذه النشاطات واعطائها زخم اكبر"  .

 نتمنى أن تزداد رقعة المؤسسات الثقافية الكوردية المستقلة لتلعب دورها الكامل في تنشيط الحراك الثقافي الكوردي لتمد يد العون الى المثقفين والكتاب من أبناء شعبنا وتساهم في تشجيع الاقلام الواعدة وتحثهم على خلق الجديد.

 

جريدة التآخي : العدد والتاريخ: 6274 ، 2012-02-26

28 شباط, 2012 03:52:00