Share |

تائج الاستفتاء على الاصلاحات الدستورية في تركيا (مالذي سيتغير في تركيا مستقبلاً...؟)...هوزان أمين

شهدت تركيا في 16 نيسان / أبريل الحاليأهم استفتاء شعبي على تعديل دستوري في تاريخها المعاصر، وتوجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع للادلاء برأيهم حول قبول التعديلات الدستورية أو رفضها بختم (أرجح) على ورقة ذات لونين كتبت عليها كلمتي "إيفيت" وتعني نعم على الجانب الابيض من الورقة و"هايير" وتعني لا على الجانب البني للورقة. بنسبة فاقت التوقعات حيث بلغت نسب التصويت 85.46 بالمئة، واظهرت النتائج بعد فرز الاصوات تقدم انصار رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بدعم من حزب القوميين الاتراك المتطرف بنسبة قليلة جداً عل المعارضين له، فيما جاءت نتائج الاستفتاء مخيبة لآمال المعارضين للتعديلات الدستورية، حيث ظهرت النتائج متقاربة جداً وقدموا طعنا بالنتائج لدى اللجنة العليا للاستفتاء.

وبلغت نسبة المواطنين المشاركين في الاستفتاء ووفقًا لاحصائيات رسمية اقرت بتوجه 49 مليونا و621 ألفا و753 ناخبا إلى صناديق الاقتراع من أصل 58 مليونا و366 ألفا و647 ناخبا مسجلين حيث صوت نحو 24 مليون و300 ألف بـ "نعم" مقابل   23 مليون و100 ألف بـ "لا" ويبدوا جلياً نسب التقارب في الاصوات وبحسب البيانات الرسمية اكدت أن الأصوات المعارضة للتعديل، تتصدر في أكبر ثلاث مدن بتركيا من بينها العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول كبرى المدن التركية وعاصمة تركيا التجارية والسياحية وصاحبة أكبر نسبة مصوتين في تركيا وكذلك مدينة إزمير، إضافة إلى المناطق الكوردية في جنوب شرق تركيا تقدم فيها انصار "لا" في الاستفتاء بحسب وكالة "الأناضول" .

وبلغت عدد الأصوات الصحيحة 48 مليونا و759 ألفا و595 صوت، فيما أُلغي 862 ألفا و158 صوتا، كما بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء خارج تركيا 46.95%، ومقارنة بآخر بالانتخابات التشريعية التي جرت في شهر تشرين الثاني 2015، حيث سجلت نسبة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية تضاؤلًا بنسبة 1.94%. 49 مليونا و621 ألفا و753 ولكن بالرغم من ذلك تبقى نسبة المشاركة كبيرة مقارنة بالاوضاع السياسية السائدة في تركيا وفي ظل فرض حالة الطوارئ في البلاد اثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في اواسط شهر تموز العام الفائت.

وبموجب هذه النتائج فقد فاز انصار "نعم" للتعديلات الدستورية في هذا الاستفتاء الذي يتضمن بموجبه الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي. وتغير بموجبه نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، وعلى أثره ستتغير ملامح الدولة التركية بعد نحو مئة عام من تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفي كمال أتاتورك الذي اسس نظام جمهوري برلماني على انقاض الخلافة العثمانية عام 1923.

ويعد هذا الاستفتاء ليس الأول في تاريخ تركيا التي مرت منذ انقلاب 1960 بستة استفتاءات شعبية على تعديلات دستورية قبل هذه، وكانت نتيجة 5 منها إيجابية (في الأعوام 1961 و1982 و1987 و2007 و2010)، بينما انتهى أحدها بنتيجة سلبية (في عام 1988).  ولكن هذا الاستفتاء يبقى ويوصف بالأهم الابرز بحسب المراقبين لانها ستؤدي الى تغيير نظام الحكم في تركيا.

وكان النظام السياسي السائد في تركيا قائماً بعد الانقلاب العسكري الذي جر في 12 ايلول عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان ايفرن حيث تم صياغة دستور جديد عام 1982، لمواجهة التحديات الامنية والسياسية أمام تركيا آنذاك، وعدل وثيقة الدستور في 18 مناسبة، تحت حكم ست حكومات متعاقبة. وفي عام 2007، تم عقد استفتاء على تعديل جديد ينصّ على الانتخاب المباشر للرئيس في حين كان ينتخب من البرلمان.

هذا وكان الشارع التركي قد شهد منافسة حادة بين أنصار نعم للتعديلات الدستورية وللرافضين لها وحشد حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه في تأييد التعديلات الدستورية حزب الحركة القومية المتطرف وسخروا كافة الجهود السبل في سبيل اقناع الناس بالتصويت بنعم على تلك التعديلات واقاموا تجمعات جماهيرية حاشدة لانصارهم بشكل يومي وكان رئيس الجمهورية التركية يقود هذه الحملة واستنفر حزب العدالة والتنمية جميع طاقاته في حملة الترويج بنعم على الاستفتاء، وكانت تجوب سيارات الترويج شوارع المدن التركية وهي مغطاة بصور رئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم رافعين العديد من اللافتات التي تحض الناس على قول نعم ومطلقين شعارات من قبيل "نعم.. قرار أمتنا"، و"نعم.. لأجل مستقبل تركيا و" نعم... لاجل تركيا قوية"، على اصوات الأغاني المؤيدة للقبول بتعديل الدستور.

وبعد صدور النتائج الاولية للاستفتاء قام انصار حزب العدالة والتنمية بإقامة الحفلات والمسيرات للتعبير عن فرحتهم بهذه النتائج وخرج رئيس الجمهورية على الشرفة لتحيتهم وفي اول تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد اظهار النتائج، قال “انه نصر لتركيا بأسرها” وشكر كل مواطن توجه إلى صناديق الاقتراع ودافع عن إرادته بغض النظر عن رأيه، وأكد أن الاستفتاء مؤشر هام على دفاع الشعب عن مستقبله.

وأعرب الرئيس التركي في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول قبل ذلك، عن تمنياته بأن تكون نتيجة الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي تشمل الانتقال إلى النظام الرئاسي، خيرًا من أجل تركيا وشعبها.

 كما نوه الى أن الشعب التركي أظهر مجدداً وعياً كبيراً واستثنائياً بتوجهه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوته بإرادته الحرة.

وشدد على أن تركيا اليوم اتخذت قرارا تاريخيا وأنهت الجدال المستمر منذ 200 عام حول نظام حكمها، كما أشار أردوغان في ختام حديثه إلى أن النظام الرئاسي سيدخل حيز التنفيذ مع الانتخابات المنتظرة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وفي الاطار ذاته أكد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في خطاب ألقاه أمام حشد من مؤيدي التعديلات الدستورية اجتمعوا عند المقر الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة، شدد فيه على أن نتيجة الاستفتاء ستنعكس إيجابًا على رفاه وأمن الشعب التركي، كما هنأ كل من صوت بنعم على هذه الحزمة من الدساتير التي سيجري تطبيقها في تركيا.

وأشار يلدريم الى أنه بحسب نتائج غير رسمية فإن الاستفتاء الشعبي الذي ينص على الانتقال للنظام الرئاسي تكلل بـ”نعم”، داعيًا الله أن يكون خيرًا للجميع.

في المقابل، كان يقف حزب الشعب الجمهوري المعارض القوي لهذه التعديلات الدستورية خلف عنوان "لا" الذي اتخذه شعارا لحملته الداعية للتصويت ضد التعديلات و يرفع شعار "قل لا.. من أجل مستقبلك".، كما كان حزب الشعوب الديمقراطية يقوم بحملة لا في المناطق الكوردية مبرراً رفضهم لهذه الحزمة من الاصلاحات بعدم استفادة الكورد منها وسيزيد من دكتاتورية تركيا ورفضها لحل المسألة الكوردية بالطرق السلمية لهذا يرفعون شعار لا .. من اجل السلام وتحقيق الديمقراطية في تركيا.

واعتبر كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في مؤتمر صحفي بمقر حزبه بعد صدور نتائج الاستفتاء. أن دستور تركيا، فقد “الاجماع الشعبي” حوله إلى حد كبير. وأن “الاستفتاء أظهر حقيقة أنّ 50 بالمئة على الأقل من الشعب التركي يرفض التعديلات الدستورية”.

 كما أوضح اوصمان بايدمر المتحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للاكراد، إنهم تقدموا باعتراضات حول “مخالفات” حدثت خلال عملية التصويت، وقال بايدمر في مؤتمر صحفي أمام مقر الحزب في العاصمة التركية أنقرة، عقب صدور النتائج “هناك المئات من المخالفات مثل استخدام أصوات غير مختومة، وعدم السماح للمراقبين بالوقوف بمحيط الصناديق، وقدمنا اعتراضات متعلقة بتلك المخالفات”.

وأشار إلى أن الحزب سينشر قريبًا تقريرًا مؤلفًا من 56 صفحة بخصوص المخالفات التي وقعت منذ انطلاق حملات الدعاية للاستفتاء. كما لفت باي دمير إلى أن قانون الانتخاب يحمل عبارة واضحة تتمثل في أن كل صوت استخدم فيه بطاقة انتخابية وظرف غير مختومين يعد لاغيًا.

بموجب الدستور الجديد الذي صوت عليه المواطنون في تركيا بنعم ولو بأغلبية طفيفة سيؤدي الى امتلاك رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان سلطات وصلاحيات تنفيذية واسعة للغاية تشمل تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين وسيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حالياً بن علي يلدريم، وسيعين نائب أو أكثر لمساعدته في إدارة السلطة التنفيذية.

كما يحق له التدخل في عمل القضاء من خلال تعيين 4 أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، وهو المجلس الذي يملك سلطة التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يملك البرلمان سلطة تعيين 7 أعضاء.

كما تشمل التعديلات المقترحة زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب، وخفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا.

ويظهر جلياً من خلال تلك النتائج التي لم تكن مفاجئة كبيرة بالنسبة للمراقبين وربما كانت مفاجئة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يطمح الى فوز كاسح وبنسبة تفوق 60 % للقائلين نعم وذلك حسب استبياناتهم التي كانوا ينشرونها بين الحين والآخر والتصريحات التي كانوا يدلون بها من وقت الى آخر وخلال دعايتهم وحملتهم الانتخابية وفي الجانب الآخر كانت تظهر نتائج متقاربة في أغلب استطلاعات الرأي التي كانت تجريها مؤسسات محادية وكانت نسبة القبول والرفض تكاد تكون متساوية.

يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ويطرحه المواطنون الاكراد الذين صوتوا بلا لهذه الحزمة من الاصلاحات وصلت نسبتها الى أكثر من 70% في بعض الولايات الكوردية ومن خلال الاستبيانات التي اظهرت وجه نظر المشاركين فيها وسبب ترجيحهم لـ قول "لا" في ذلك الاستفتاء معللين السبب الى ان الحكومة عاجزة عن حل المسالة الكوردية والتي يعتبرونها من اكثر المشاكل العالقة والتي تستوجب الحل ويتطلب من الحكومة ايجاد حل ديمقراطي لها من خلال وقف اطلاق النار بين الجانبين واحلال السلام والوئام بين جميع مكونات تركيا، وبذلك ستقوى تركيا اكثر من السابق لا عبر زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية (حسب رأيهم) التي كانت احدى شعارات الحملة الاستفتائية التي كان يرددها المسؤولين والمطالبين بقول نعم لهذه الاصلاحات الدستورية. 

  

تركيا –التآخي خاص