Share |

حلبجة الشهيدة…بقلم : أمين عثمان

مدينة حلبجة

 

 

حلبجة المدينة التي دمرت كليا بالأسلحة الكيماوية بعد ناغازاكي وهيروشيما تأتي اسم حلبجة التي تضررت من الأسلحة المحرمة دوليا في العصر الحديث .

حيث قتل أكثر من خمسة الآلاف إنسان مع أضرار في البيئة وما زال تأثير الغازات الكيماوية تؤثر على الحياة اليومية بعد عشرون سنة ..عندما دخلت إلى مدينة حلبجة تذكرت فورا يرفان عاصمة ارمنينيا حيث اللباس الأسود والحزن والألم يعتصر من الوجوه ترى أثار الحزن وأخاديد الزمن على خطوط جبينهم ونظراتهم البائسة ...كنت في زيارة لحضور مهرجان سينمائي للأفلام الكردية القصيرة ..حيث عرض حوال عشرون فلما من كردستان العراق وتركيا وإيران في مركز ثقافي متواضع في مدينة حلبجة تدل على تواضع الفن الكردستاني بإمكاناته المادية والمعنوية وعندما تم التعارف هرع علينا المخرجون والفنانون الذين يحبون الشهرة والدعاية لأفلامهم..وكانت حوارات ولقاءات حارة ..واستمر المهرجان لثلاثة أيام ..وفي المساء كنا بضيافة مركز شبابي للثقافة انشات حديثا في مدينة حلبجة وكان الاستقبال حارا وهناك تعرفنا على الواقع الإعلامي في مدينة حلبجة ولقاء مع رئيس تحرير جريدة حلبجة الجريدة الوحيدة التي تصدر هنا .والتي كنا ضيفا عنده في البيت والتعرف على عائلته ..حيث ما زالت امه تعاني من اثار القصف الكيمياوي ومصابة بالسرطان..وشقيق مصاب بالصرع ذهب الى أوربا بمساعدة منظمات إنسانية دولية للعلاج والأب الذي يعمل حركات لا إرادية ولا يسمع ..وأشار في باحة الدار توجد قنبلة كيماوية لم تنفجر مازالت موجودة حيث صب عليها الأمريكان الباتون من الاسمنت والحديد ..وبقي الشاب الوحيد الذي يعني من صداع شديد كل فترة ..كان شابا في مقتبل العمر صريحا وجريئا وصحفيا مقتدرا ..يكتب وينشر في جريدته مقالات بكل جراءة ..قال أن المسئولون في الحكومة والحزب استغل الأموال التي جاءت من المنظمات الدولية إلى سكان حلبجة ونهبوها ..ولم يعملوا شيئا من اجل خدمة اهل حلبجة ...وفي الصباح الباكر كنت في جولة في شوارع مدينة حلبجة حيث التقيت شيخا كهلا وامراءته العجوزين الذين شاهدا القصف الكيماوي ..جلست على الأرض أمام باب الدار إلى جانب العجوز الذي لا يسمع إلا بصعوبة مما كان علي التكلم معه بصوت عال ليصف لي مشاهداته يوم القصف ومعاناة أهل المدينة ..كانت دموعه ينهمر وهو يتذكر ذلك الأيام ..وكيف سقط الأطفال ..الأشجار ...الحيوان..الإنسان والبيئة والحيوان ..حتى الآن ما زالت الأشجار لا تثمر وحتى الآن يولد الأطفال مشوهون ..تراجيديا لا استطيع أن اكتبها أو اسمعها حتى انهمرت دموعي سهوا ..لم استطع أن أكمل اللقاء مع أهل المدينة تأثرت كثيرا..لا احد يستطيع أن يتعرف على مشاعر والآلام ومعاناة هذا الجماهير ولا حتى الأعلام ..حقا واقع مؤلم تعيشه هذه المدينة المنسية من التاريخ التي تلبس الأسود وتذهب إلى الصلاة ويتركون كل الأشياء وكأنهم يلجئون إلى ربهم للتخلص من الوضع الذي يعيشونه ..ولكن يبدو أن الله لا يسمع للفقراء والمظلومين أيضا ..المدينة التي ترثي حالها .ومازال يتألم لا احد يستمع إليها .وفي المساء قبل غروب الشمس وصلنا إلى طرف المدينة حيث المقبرة الجماعية والتي كتبت على الباب بخط احمر ممنوع دخول البعثيين ...هذه المدينة التي نامت تحت تأثير السلاح الكيماوي ومازالت مخدرة لا تستطيع أن تصدق ما حدث لها حيث أبيدت بيوت بكاملها وعائلات لم تنجو منها إلا من كان خارج المدينة ومن نجي من الموت يعيش الموت في اليوم ألف مرة...

وبقيت حلبجة المدينة التي عاشت تحت كابوس السلاح الكيماوي تعيش الآن تحت كابوس الفقر والحرمان

 

مقالة نشرت في الجرائد الكردستانية والعراقية 29/03/2008