Share |

صحيفة بريطانية تدخل المستشفيات السرية لجنود منشقين عن الجيش السوري

 

في غرفة خلفية من شــقة متداعية وسط حي دوما نصف مبنية كان شاب يختبئ ويئن من الألم بينما كان طبيب يعالج جروحا أصابته من إطلاق النار عليه . وتفقد الدكتور خالد مستعينا بضوء خافت متأرجح الجراح الناتجة عن نيران قناص، والتي اخترقت كبد محمد وكليته. كان يعمل بسرعة .
 
ويستخدم معدات مهربة من لبنان، في الوقت الذي يواصل فيه المحتجون الرقابة من خارج المبنى، كما يصف تقرير صحيفة "ذي تايمز" البريطانية اليوم الثلاثاء.
 
محمد في حالة حرجة بعد ان فتحت قوات الأمن النار على مسيرة مناوئة للحكومة. من المفروض أن يدخل غرفة عناية مكثفة. لكنه بدلا من ذلك موجود هنا، في واحد من "المستشفيات السرية" في سوريا.
 
ويقول الطبيب خالد: "قوات الأمن تتصيد المحتجين هنا. بعضهم قتل في أسرّة المستشفى من جانب رجالات الاسد. ويضيف إنه شاهد الكثيرين من مرضاه يتم سحبهم بعيدا، وتعاد جثثهم إلى أقاربهم بعد أسابيع قليلة.
 
ويتعرض الأطباء الذين يعالجون المحتجين للتعذيب. وقال الطبيب خالد: "يعتبروننا السلاح السري للمعارضة. وهذا هو السبب في أنهم يريدون قتلنا إذا أمسكوا بنا". وهنا رسم خالد خطا عبر رقبته بإصبعه السبابة. وقال إن عشرة من زملائه في السجون الآن.
 
ومن بين مرضاه ولد في الخامسة عشرة مشلول وغير قادر على الكلام بعد إصابته برصاصة في رأسه، وأب في السادسة والثلاثين تعرض لتلف في الدماغ عندما رفض الأطباء معالجته. ولا تبعد بلدة دوما إلا 30 دقيقة باسيارة عن دمشق، ومع ذلك أصبح صوت إطلاق الرصاص متكررا، مثل الهتافات التي تصدر عن الناشطين يوميا في الشوارع. ورغم العنف وأعمال القتل فلم تفقد الاحتجاجات في دوما وريف دمشق زخمها. وفي كل ليلة يتجمع المئات وأحيانا الآلاف خارج المساجد ويسيرون نحو الساحات يحملون اليافطات ويرددون شعارات مناوئة للنظام ومطالبة بالحرية. وتنثر على المحتجين الحلويات من نوافذ سكان خائفين من نيران القناصة، لكنهم مصممون على إظهار تاييدهم.
 
وطوقت الحكومة دوما بالحواجز العسكرية والعوائق الترابية. ويقوم رجال أمن بالملابس المدنية بدوريات في الشوارع حاملين بنادق الكلاشينكوف. وقطعت الكهرباء عن احياء كاملة لعدة شهوركما اوقفت الاتصالات عبر شبكات الهواتف الخلوية.
 
وقال أبو أحمد (33 عاما)، وهو رجل أعمال كرس جهده الآن للإطاحة بالنظام: "يعتقدون انهم سيسكتوننا، ولكن بدلا من ذلك فهم يزيدون غضب الناس وتصميمهم. الوضع هنا شبيه بطنجرة الضغط". وأبو أحمد عضو في اللجنة العامة للثورة السورية، وهي واحدة من اثنتين من منظمات المعارضة السرية. ويتدفق جهاز اللاسلكي المرسل والمستقبل بحوزته بالأخبار عن الجرحى من المحتجين في الوقت الذي ينقل فيه بسيارته التجهيزات الطبية للأطباء الذين يعملون في الخفاء، وتعمل سيارته أيضا كعربة لنقل الجرحى.
 
وتتوفر لدى جماعات المعارضة سجلات بأسماء القتلى والذين تعرضوا للتعذيب أو أصيبوا بجراح. وهم يقولون أن 50 شخصا قتلوا في دوما منذ بدء الاحتجاجات قبل ستة شهور. ومن الصعب بشكل متزايد على الناشطين أن يعملوا لأن معظمهم مطلوبون من جانب الحكومة وعليهم أن يعيشوا حياتهم ليلا، مختبئين في منازل آمنة خلال النهار. وهم يتواصلون باستخدام "سكايب"، ويسجلون أي دليل على القمع الوحشي عبر "فيسبوك".
 
ولدى الناشطين أقراص مدمجة ومخزنات ذاكرة حافلة بلقطات مرعبة للضحايا الذين قتلوا بالرصاص أو عذبوا حتى الموت. بعضهم سُملت عيونهم، وكثيرون عليهم علامات داكنة ناتجة عن صعقات كهربائية، واجسامهم تم شقها وإدماؤها نتيجة الضرب المبرح.
 
وقال أبو احمد: "مما سمعناه من الرفاق في أرجاء البلاد، فإن عدد القتلى أكبر بكثير مما يعتقده الجميع، ونعتقد أنه يقارب 10 آلاف شخص".
 
وتكثفت حملات القمع الحكومية مع تزايد أعداد الجنود المنشقين عن الجيش. وفي كل يوم تقريبا يتلقى الناشطون أخبارا عن جنود هربوا، وهم بحاجة لملجأ ويخشون على حياتهم. وبحسب اللجنة العامة للثورة السورية فإن ما بين 7 آلاف و10 آلاف جندي قد انشقوا حتى الآن.
 
ويقول كثير منهم إنهم تلقوا أوامر بقتل محتجين مسالمين وأنهم سيُقتلون إذا تمردوا على الاوامر. وقال ضابط كان متمركزا في درعا: "زميلي الذي كان بجواري رفض إطلاق النار على الحشد لوجود نساء وأطفال بينهم، فتلقى رصاصة في مؤخرة رأسه". وقال إن حوالي 40 محتجا قتلوا برصاص الوحدة التي كان يخدم فيها في تلك المناسبة.
 
جندي آخر متمركز في مدينة طرطوس الساحلية قال إنه اجبر على اقتحام حي اعتقدوا أنه يؤوي اعضاء في حركة المعارضة. واضاف: "أجبرونا على المشي فوق رؤوسهم، وكان هناك أولاد صغار وحتى رجال مسنين، بعضهم مات. كان أمرا فظيعا. وهنا علمت أنني لا استطيع القيام بذلك، وأن علي ان أترك الجيش، مهما كان الثمن".
 
وانضم بعض المدنيين إلى الجنود الذين انشقوا، واستخدموا بنادق الصيد للرد على الجيش. لكن كميات الاسلحة قليلة ومعظمها يتم تهريبه من لبنان والأردن وتركيا وبالتالي فأثمانها عالية. وتحدث الناشطون عن نقص في الذخيرة، والرصاصة الواحدة في السوق السوداء ثمنها 1،20 جنيه استرليني.
 
وقال أبو أحمد: "الاقتصاد في حالة شلل منذ اندلاع الثورة. وفقد الناس مصادر رزقهم، وعليهم الآن ان يعتنوا بالذين يختبئون لديهم. وليس هناك اموال لشراء الاسلحة". وتعيش مجموعة من 20 جنديا منشقا في بلدتي مدايا والزبداني، مختبئين في كهوف جبلية ومزارع مهجورة. وتحوم المروحيات فوقهم وتمشط الوديان بحثا عنهم.
 
وقبل شهر واحد هدرت قافلة دبابات تحمل آلاف الجنود داخل مدايا. وتدفق المئات من المعروفين بالشبيحة في طرقات البلدة المحاصرة والمغبرة. كانوا يشهرون الهراوات والبنادق، وفتش هؤلاء البلطجية عن كل من له علاقة بالجنود المنشقين أو كل من شارك في احتجاج. ولثلاثة أيام أجروا تفتيشات من بيت لبيت، مصحوبين بمخبر كان يخفي معالم شخصيته.
 
وعلا صوت تكسير النوافذ والأبواب وصراخ النساء فوق خبطات أحذية قوات الأمن بينما كان افراد العائلات يتعرضون للضرب وتخرب بيوتهم. واعتقل خمسة من الشبابولم يرهم احد بعد ذلك.
 

 

وقال مالك، وهو طالب كان ظهره يحمل علامات الصعقات الكهربائية: "سيتم تعذيبهم. ولكن لماذا؟ لأنهم شاركوا في احتجاجات سلمية وهتفوا بكلمة "الحرية".

باخرة الكرد