Share |

(ليلى) والمجلس الوطني السوري...بقلم: ريبر يوسف

ريبر يوسف، برلين

 

هي المعادلة ذاتها في تكرار، فارضةً علينا الحياةَ في الركن الذي لا يسعنا الخروج عليه البتة، سيما أن تلك المعادلة ـ سالبةَ الطمأنينةَ منا، تهمُّ بتجميد الزمن كما لو أنه حدثٌ ماديٌّ بدوره، إلى

الحد الذي يجعلنا نشعر بالأحداث وهي بعيدة عن متناول التغيير. في اللحظة التي يتغير فيها كل شيء في سوريا؛ حيث الدمار الشامل، الدمار الذي لن أتطرق إليه، ها هنا، فالعين تمتلئ وتشاهد كل ذاك الدمار، كنت قد كتبت مادة - أضطر وفي كل مرة أن أعيد هذه الجملة لإدراكي بأن الكتابة لن تغيّر شيئاً قط، بدءاً بما تكتبه الدول العظمى في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس انتهاءً بي - "كنت قد كتبت مادة" بعنوان: (كواليس الثورة السورية / مسرح الأحزاب العربية الإسلامية).. حيث تطرقت فيها إلى ما تصنعه تركيا بالصف السوري العام،  في زمن الثورة، إثر دعمها طرفاً معارضاً بعينه هو جماعة الأخوان المسلمون، وإثر بكاء الأتراك /العثمانيين على ما تشهده سوريا - بلدي، من دمار شامل، رُفِعَت الأعلامُ التركية في المدن السورية الثائرة، إخوتي استعجلوا قليلاً في اللحظة التي تأخروا كثيراً. إخوتي، في الشارع وعلى الفضاء الافتراضي، همّوا بالدفاع عن تركيا التي رأوا فيها حاضنة لثورتنا النبيلة، في اللحظة التي لا نسمع فيها الآن ولا حتى همساً يصدر من تركيا بخصوص ثورتنا، لا نسمع الآن تركيا بربع ربع ما كانت تطالب به ـ في بداية الثورة ـ النظامَ السوري الآن، رغم ارتفاع عدد الشهداء ورغم تصاعد العمليات بوحشية لا مثيل لها، وذلك بعد زيارة مسؤول تركي إلى إيران. آنها، قلنا، نحن الكردَ في سوريا، وكتبناه "ثورتنا ليست في عين تركيا"، وما يبرر بصيرتنا هو العديد من الأمور التي تطوّرت في تركيا وجاءت سلباً على الثورة، حيث تناقل النشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي -  الفيسبوك، خبراً مفاده أن العديد من الناشطين حاولوا دخول الأراضي السورية عبر تركيا لكنهم تعرضوا للضرب والإهانة من قبل الأتراك على الحدود. كان علينا أن نتوقف قليلاً ونوقّفَ العالم برمته معنا، إذ سُلّمَ الضابطُ في الجيش السوري الحر (حسين هرموش)، والذي هرب إلى تركيا إثر انشقاقه من الجيش السوري، إلى المخابرات السورية، لم يُفتح الملف أبداً وظلت المعارضة السورية في فيء شجرة تركيا، ولحقتها بعد ذلك القيادة الجديدة للجيش الحر وبدون (حسين هرموش) لتكون تركيا، نظرياً، غرفةً (لعمليات) الجيش الحر في سوريا. لم

يفتح الجيش الحر هذا الملف، بل ولم (تهتز) ثقته بتركيا، حيث يشعر فيها الآن قائد الجيش الحر رياض الأسعد على أنه – الجيشَ الحرَّ، كتيبتُهُ. كانت هذه هي الخطوة الأولى لوضع الثورة السورية تحت إبط الأتراك، بدأت ببتر الجناح الحر من الجيش الحر وتسليمه إلى المخابرات السورية، واستعارة أجنحة إسلامية (سنّية) للجيش الحر، لم يعد يصنع شيئاً سوى التكتيك؛ يتكتك فيدخل إلى مدينة ويعلن تحريرها.. ومن ثم، وبعد أن يقصف النظام المجرم تلك المدينة لأسابيع، وبعد تعب الجيش الحر، وبعد أن يستعرض في القتل النظامُ الدمويُّ عبر الصواريخ التي يمطرها على تلك المدينة، يقوم الجيش الحر بالتكتيك مرة أخرى وينسحب من تلك المدينة. الجميع يتكتك، النظام يتكتك والجيش الحر يتكتك، والشعب النبيل يموت بكل هدوء. الجيش الحر سرعان ما انجرّ إلى فخ النظام المنصوب له ولنا إثر الخطاب الطائفي وغير المسؤول من العديد من ضباط وأفراد هذا الجيش عبر كلامهم؛ مثلاً (النظام الصفوي العلوي الكافر)، هناك فيديوهات تثبت هذا الكلام، وعبر مواظبتهم على كلمة (الجيش الطائفي) هذه الكلمة التي تحوّلت إلى أغنية يرددها الجميع دون أن يعي أنها كانت البذرة التي رشها النظام السوري المجرم في تربتنا، البذرة القبيحة للحرب الأهلية. ليس في وسعنا أن نطلب من النظام المجرم أن يتوقف عن خطابه الطائفي، لسبب مهم ألا وهو أن النظام يقتل الشعب ويدمره، فهل من المنطق أن يكون عطوفاً علينا كي يحطم، في دربنا، فخَّ الحرب الأهلية؟ الثورة مسؤولية الشعب الحر، الثورة مسؤوليتنا. علينا أن نرسم خطوطاً فاصلة ما بين أخلاقنا وأخلاق النظام، لذلك حماية الشعب من الحرب الأهلية هي مسؤولية الشعب العظيم ومسؤولية المؤسسات التي تدعي أنها تمثل الشعب وتدافع عنه، كالجيش الحر والمجلس الوطني السوري، وكلام الجيش الحر عن الجيش السوري على أنه (جيش طائفي) هو كلام غير مسؤول البتة، أي عندما نقول أن الجيش السوري المجرم هو جيش طائفي هذا يعني أن جميع الانشقاقات التي تحدث في هذا الجيش هي بالضرورة انشقاقات طائفية وعلى أسس طائفية، وكي ننقذ البلد من فخ الحرب الطائفية في سوريا علينا أن نتوقف عن الإتيان بمثل هذه الكلمات التي هي بمثابة المعادلة التي تبنى عليها جميع الحروب الأهلية في العالم، ولأن حماية الشعب السوري هي من مهام الجيش الحر (كما يقول) فعليه أن يساهم في حماية الثورة والشعب لا بل هو المسؤول الوحيد عن حماية الشعب، ليس فقط من النظام المجرم بل من جميع البذور الطائفية التي تُزرَعُ في تراب البلد الثائر بلدنا سوريا. الشعب السوري متماسك، وهو ينبذ الطائفية عبر التاريخ، رغم محاولات النظام الشوفيني طيلة عقود في زرع الفتنة بين طوائف وقوميات هذا البلد المتنوع الجميل. لم تتوقف تركيا عند هذا الحد من لعبتها في سوريا بل قامت إلى شرخ المعارضة السورية برمتها عبر أداتها - المجلس الوطني السوري، الذي همَّ،  ومنذ نشوئه، بإخراج حزب العمال الكردستاني من الحراك الثوري، عملياً، إذ ندّدَ المجلسُ الوطني بعملية لحزب العمال ضد الجنود الأتراك في تركيا، ووصفها بالعملية الغادرة والإرهابية. ترك المجلس الوطني الثورة والعالم برمته وذهب إلى وضع حزب العمال الكردستاني في خانة الإرهاب، هذا الحزب الذي كان في السنوات الأخيرة من ألدِّ أعداء النظام السوري، هذا الحزب الذي كان منظماً تنظيماً قوياً (عسكرياً وتنظيمياً

وسياسياً) على مستوى الشرق الأوسط برمته، هذا الحزب الذي هو نسيج رئيسي في الحالة الاجتماعية الكردية السورية، أقول نسيجاً اجتماعياً سورياً شئنا أم أبينا، أي أن المجلس الوطني السوري ضربَ السوريَّ بعصى الأتراك على ظهر نسيج مهم في سوريا هم إخوته في الوطن والدم، فخرج على أثره حزب العمال الكردستاني - منطقياً - من خط المعارضة (المتمثلة بالمجلس الوطني السوري) الحزب الذي رأى في المجلس على أنه تجاوز الخطوط الحمراء، فمن هو المجلس الوطني حتى تكون له هكذا تصريحات ارتجالية ساهمت في تعطيل وتخريب الحراك الثوري، في سوريا، في اللحظة التي لم تندد العديد بل ربما جميع الدول العربية بعمليات الحزب ضد تركيا بهكذا طريقة؟؟ لا أستطيع الآن إقناع "الأوجلانيين" بالانضمام - عملياً - إلى مسار المجلس الوطني. عمدت تركيا إلى إخراج حزب العمال الكردستاني عن صف المجلس الوطني والجيش الحر لأسباب عديدة وجميعها تفضي إلى سوء نية الأتراك تجاه ثورتنا النبيلة:

السبب الأول؛ قد يكون بتخطيط مخابراتي سوري/تركي لخدمة النظام السوري، فخروج تنظيم قوي ضخم مثل حزب العمال الكردستاني من المسار المعروف للثورة هو تأخير لسقوط النظام، فما نشهده الآن من ممارسات لحزب العمال الكردستاني المتمثل بفرعه السوري ال P Y D  خير دليل على ذلك: غالبية المدن والقرى الكردية في سوريا، ورغم مشاركتها في الثورة السورية إلى جانب جميع المدن السورية، إلا أنها تحت سيطرة حزب العمال الذي يضع الحواجز الأمنية في المناطق الكردية، وتشبيحهم بحق الشعب الكردي السوري، وملاحقتهم واعتقالهم للنشطاء الكرد الذين يسيرون في المسار الآخر لإسقاط النظام السوري، المسار المتمثل بخارج هيئة التنسيق والتي P Y D  هو نشطٌ فيها. يحافظ حزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية على الأمن، الأمن الذي يستدعي عدم خروج هذه المناطق عن سيطرة النظام السوري عسكرياً، فالجيش الحر ممنوع من الدخول إلى حيث يتواجد عناصر من حزب العمال أو جناحه السوري P Y D  بل إن الجيش الحر غير قادر على الدخول أصلاً نتيجة الدعم الشعبي في العديد من المدن الكردية لهذا الحزب.

فلنعُدْ بالزمن إلى الوراء قليلاً، في عملية خطف سريع، لو لم يقدِم المجلسُ الوطني السوري على طرد هذا الحزب من الثورة السورية، عملياً، هل كان سيكون موقف حزب العمال من ثورتنا كما هو عليه الآن؟ إثر ترك المجلس الوطني العالم برمته ودماء الشهداء في سوريا وتحوله إلى التنديد بعملية لحزب العمال ضد الجنود الأتراك في تركيا، هذه العملية التي كانت ضد جيش دولة تقمع 20 مليون كردي في تركيا، تنهب منهم إنسانيتهم وتدمر قراهم، تفعل بهم ما يفعله النظام السوري بالشعب السوري عموماً بكل طوائفه وقومياته وبدون استثناء، هذه العملية لم تكن الأولى ضد الجيش التركي فالحرب هناك قائمة منذ عقود بين حزب العمال والجيش التركي، هذه العملية كانت حلقة من سلسلة عمليات على مدى عقود من الزمان ضد الجيش التركي منذ أن كان الكثير من أعضاء المجلس السوري أعضاء في اتحاد شبيبة الأسد وطلبة في جامعاته ومعاهده. قد يقول بعضهم: "إن المجلس السوري كان بحاجة إلى هكذا تحالف مع تركيا لأسباب واصطفافات دولية وإقليمية، تدل على ضعف المجلس وحاجته إلى حاضنة للعمل على إسقاط النظام" إلا أن الضريبة كانت طبقة اجتماعية من المجتمع السوري، هذه الطبقة التي هي إخوتهم في الوطن والحرية، هم أعضاء ومؤيدو حزب العمال الكردستاني من أكراد سوريا، ومن يقدم على البيع والتفاوض على أبناء شعبه ـ كما فعل المجلس الوطني السوري ـ التفاوض على مكوّن رئيسي للمجتمع السوري النبيل فهو ـ هذا المجلس ـ لا يستحق أن يكون قائداً للمعارضة السورية وللشعب السوري العظيم الذي يقدم دماءه في سبيل الحرية. لذلك يجب أن تسقط عن المجلس الوطني السوري الشرعية فوراً.

أما السبب الثاني لدعم تركيا المجلسَ الوطني ـ نظرياً ـ هو ضرب الكرد في المنطقة وإخراجهم من الثورة السورية لزرع شروخات في المجتمع السوري العام، فسوريا الجديدة الديمقراطية التعددية يحصل فيها الكردي على كامل حقوقه القومية والإنسانية؛ سوف يضر بالحالة النفسية وعملياً بالخط القمعي الذي تمارسه الحكومة التركية على 20 مليون كردي في تركيا. لم تكتف تركيا بإخراج حزب العمال الكردستاني من الحراك الثوري، عملياً، عبر المجلس الوطني السوري بل قامت بإخراج الكتلة الكردية برمتها من المجلس، لاحقاً، عبر شحن المجلس الوطني بأفكار سامة والذي ـ المجلسُ الوطني، يبدو أكثر عروبية من النظام السوري وأكثر إسلاماً من الحركات الإسلامية المتشددة، عبر تهميشه وإلغائه للكتلة الكردية في المجلس والإصرار على إبقاء كلمة (العربية) في الجمهورية العربية السورية، والتي كانت (الجمهورية السورية) قبل وصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا، هذا الحزب الذي غيّر الاسم إلى الجمهورية العربية السورية في محاولة منه لإلغاء جميع القوميات التي تعيش في سوريا منذ التاريخ، فهل يعقل أن تكون مطالب المجلس الوطني هي إلغاء البعث وإسقاط النظام السوري وفي الوقت نفسه هي الإبقاء على الفكر البعثي في سوريا؟ إذاً، يحاول المجلس الوطني إخراج الثورة السورية من مفهومها كثورة ووضعها في خانة الصراع على السلطة. هذا المجلس أخطأ كثيراً وهو السبب الرئيس في عدم سقوط النظام السوري حتى الآن، هذا المجلس الذي لم يزل في غرف التنازلات لقوى عالمية عديدة والتي لم يفرغوها بعد. رأت القوى العالمية في المجلس الوطني السوري معارضةً من السهل جداً الحصول منها على كل شي. خرجت الكتلة الكردية أيضاً ومنطقياً من المجلس الوطني السوري، إثر قمع الكرد في المجلس والتصريحات الشوفينية هنا وهناك لبرهان غليون والبيانوني وهيثم المالح، هؤلاء الذين عقدوا الكرد في المجلس إذ تركوا الثورة وتفرغوا للكرد السائرين جنباً إلى جنب في الشوارع السورية مع إخوتهم على كامل تراب سوريا لإسقاط نظام شوفيني، نظام استمد قوته من أناس ومؤسسات لجميع الطوائف والقوميات في سوريا. خرجت الكتلة الكردية من المجلس وبقيت، وبقوة، في خط الثورة العام والشامل، فالكرد السوريون لهم بصيرة لذلك لم ولن يخرجوا على وعن المسار الشريف للثورة السورية الشريفة لأنهم يرون في الثورة جزءاً من ثوراتهم اليومية ضد النظام السوري البعثي، نظام فتك بالشعب عبر عقود.

ترى، هل يتم هذا بتخطيط مخابراتي بين تركيا والنظام السوري؟ فقد تعطل المجلس تماماً وهذا وبكل الأحوال يعود، سلباً، على الثورة السورية لذلك أحمّل المجلس الوطني السوري كل ما يحدث من شروخات في المجتمع السوري قومياً ودينياً، كما أحمّل النظام السوري المجرم المسؤولية أيضاً هذه، في اللحظة التي ترتفع فيها أصوات تتخوف من اقتتال كردي كردي في المناطق الكردية

ـــــــــــ

برلين