Share |

مدينة دياربكر (آمد) (تاريخ متواصل ومدينة مأهولة لاكثر من 5000 عام)

تحقيق من اعداد: هوزان أمين- خاص بالتآخي

دياربكر مدينة اختزلت تاريخ العديد من الحضارات وخبأت بين حجارة اسوارها البازلتية قصص وملاحم وبطولات لا تزال شامخة تروي لنا ما جرى عبر قرون من الزمن، دياربكر المدينة التي تعايشت فيها لغات وأديان وأقليات والوان وثقافات متعددة، دياربكر الذي يحيط بها أسوار بطول 5800 م وبأرتفاع 12 متراً و أربع بوابات كانت محكمة الاغلاق ايام الغزوات وهي (باب الجبل - أورفا - ماردين وباب خربوت) يتخللها 82 برج مراقبة بنيت بهندسة معمارية جميلة تضاهي بجمالها قلاع وأسوار مدن اوربا.

أخيراً وبعد جهد جهيد أدرجت أسواردياربكر وحدائق "هه وسل" على لائحة اليونسكو للتراث العالمي وذلك اثناء اجتماع الدورة الـ ٣٩ للجنة التراث العالمي الذي عقد في مدينة بون الالمانية في 28 حزيران واستمر لغاية يوم السبت 4 حزيران وبموجبها وبتأييد جميع اعضاء لجنة التراث العالمي متمثلاً بـ 21  دولة صدر قرار ادراج أسوار وابراج دياربكر وحدائق "هه وسل" المحيطة بها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

أسوار دياربكر تستحق ان تدرج على لائحة اليونسكو وتصبح احدى محميات المجتمع الدولي وجزءاً من التراث العالمي لان اسوارها تعتبر الثاني على مستوى العالم من حيث الطول بعد سور الصين العظيم ولان دياربكر قديمة قدم التاريخ وعاصرها حضارات عديدة وتعرضت للغزوات والحروب وشيد فيها عبر تلك الحضارات كنائس ومساجد كثيرة ومتميزة بعمارتها المبنية من الحجارة البركانية والممزوجة بالحجارة البيضاء.

من أهم معالمها الاثرية والتي لا تزال شامخة جامعها الكبير الذي يشبه الى حد ما المسجد الاموي في دمشق والذي بناه السلطان السلجوقي مالك شاه في القرن الحادي عشر على انقاض معبد قديم، كما توجد داخل اسوار المدينة القديمة العديد من الكنائس واماكن العبادة.

يقع دياربكر على موقع مدينة أميدا الأثرية اكتسبت اسمها من العرب من بني بكر بن وائل الذين استوطنوها بعد الفتح الإسلامي في عهد معاوية، دياربكر التي شيدت على ضفاف نهر دجلة اكتسبت من هذا النهر العظيم القوة والكبرياء انها مدينة عريقة تصل عراقة تاريخها الى اكثر من 5000 آلاف عام ولا زالت اثارها قائمة و شاهد على ذلك، وبهذه المناسبة يطيب لنا ان نتناول هذه المدينة دياربكر ( آمد) كما يحب ان يسميها اهلها هذه التسمية هذه المدينة التي تعتبر كبرى مدن شمال كوردستان والعاصمة التاريخية للاكراد فلا بد لنا في البداية من شرح موجز عن هذه المدينة وتاريخها.

تاريخ آمد (دياربكر).

بحسب بعض المصادر التاريخية ان أول ذكر لـ"أميد" ورد في النصوص الآشورية، بعدها أصبحت أميد(ا) عاصمة مملكة بيت زماني الآرامية من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، خضعت آمد بعدها للسيطرة الآشورية، ومن ثم للأخمينيين والسلجوقي وبعدها خضعت لسيطرة للإمبراطورية الرومانية، وقد أُطلق على المدينة اسم( Amida) في فترة الحكم الروماني والإمبراطوريات البيزنطية اللاحقة، وأصبحت ذا مكانة وموقع عسكري هام بتحصينات قوية في العام  م359، حاصرها الملك الساساني شابور الثاني 73 يوماً واقتحمها، في العام 638 م دخلها العرب المسلمون، وفي العام 1517 م احتلها سليم الأول العثماني.

هذه المدينة المسكونة منذ غابر الازمان يقدر بـ خمسة آلاف عام، عمرها الناس وبنوا لانفسهم دور العبادة والمنازل والاسواق، وتكمن اهمية دياربكر في تاريخها المتواصل والذي لم ينقطع يوماً حيث يذكر ان 36 حضارة نشأت على ركام الآخر بحسب الكاتب شيخموس ديكن الذي ألف العديد من الكتب عن هذه المدينة، ويقول ايضاً ان هناك اربع مدن في الشرق الاوسط والعالم تضاهي دياربكر في تاريخها وهي " بابل، نينوفا، آفس و فيليس" ولكنها اليوم صارت مدن للاثار والتاريخ، ولكن دياربكر بقيت مدينة معمرة ومأهولة، هنا تكمن اهمية هذه المدينة، حضارات عديدة مرت من هنا وتركت آثارها وحفرت نقوشها على احجارها، لهذه المدينة اهمية ليس لدى الشعب الكوردي فقط بل لدى الشعوب الارمنية والاثورية، لهذا يقول لفتت دياربكر نظري منذ صغري هذه المدينة التي فتحت عيني فيها حيث ولدت بين احضان اسوارها ولاكثر من 25 عاماً اقوم بالبحث والتوثيق عن هذه المدينة ولازالت هناك امور غامضة وتكشف يوم بعد آخر ويندهش المرء امام عظمتها"

ثورة الشيخ سعيد:

تعتبرانتفاضة الشيخ سعيد بيران جزء لا يتجزأ من تاريخ هذه المدينة القديمة التي اصبحت مقر الكورد وملاذهم ومركز انتفاضاتهم وثوراتهم ضد اعدائهم حتى بعد سقوط الخلافة العثمانية وإقامة الجمهورية التركية الحديثة، وما محاولات مصطفى كمال اتاتورك التي ارتمت الى صهر الكورد وامحاء تاريخهم وثقافتهم  والتي فشلت وقوبلت بمواجهة عنيفة بقيادة الشيخ سعيد بيران (1865 -1925) اثر انتفاضة شاملة في دياربكر لنزع الحقوق القومية للأكراد والأقليات الأخرى، ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على المدينة وفي منتصف نيسان 1925 تم اعتقال سعيد بيران مع عدد من قادة الانتفاضة ونفذ حكم الإعدام فيه مع كبار قيادات الانتفاضة في 30 ايار 1925.

آمد عاصمة الكورد الابدية

تعتبر دياربكر من اهم المدن الكوردية في تركيا و التي تحتضن اليوم اكثر من مليوني نسمة وتحتل مكانة خاصة في قلوب الكورد في كل مكان والعاصمة الرمزية لهم و حاضنة الكورد منذ الازل ولا زالت آمد مركز القرار الكوردي في شمال كوردستان، الى اندلاع ثورة حزب العمال الكوردستاني والتي تأسست في دياربكر وخاضت كفاحاً مسلحاً لعقود من الزمن ادت الى الاعتراف بالاكراد وهويتهم في تركيا وبدأ عملية السلام اثر اعتقال زعيم الحزب عبدالله اوجلان المعتقل منذ 16عاماً في جزيرة امرالي ببحر مرمرة ونتيجة لذلك دخل الاكراد المعتكر السياسي وفازبالعديد من البلديات في المدن الكوردية ومنها بلدية آمد الكبير وبقيت آمد مركز القرار الكوردي في شمال كوردستان منذ القدم والى اليوم كرستها الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي جرت في 7 من حزيران هذا العام وفاز الاكراد بموجبها على نسبة13.2%  وبـ 80 مقعداً منها 10 مقاعد من أصل 11 من دياربكر لوحدها.

خاتمة:

بالفعل ان مدينة دياربكر مدينة غنية وعريقة وينبعث منها عبق التاريخ والحضارات وحتى اسوارها الضخمة التي تضاهي سور الصين العظيم غنية بنقوشها ورسوماتها المميزة التي تحاكي الحضارات التي مرت عليها وقاتلت عليها وحمت ديارها من الغزوات الخارجية وضمت المدينة وحمتها وامنت انتقال هذه المدينة من حضارة الى اخرى ومن زمن الى آخر.

يبقى ان نذكر انه الى جانب تلك السمات التي تتحلى بها هذه المدينة العظيمة، فدياربكر تشتهر بالعديد من الصناعات اليدوية القديمة ومنها صناعة الحلي والمجوهرات والنحاس والسفر، ولا زال اهلها يقيمون احتفالات الزواج و الرقص الفولكلوري على إيقاع الطبل لغاية الآن، و تشتهر ديار بكر بأطباقها اللذيذة التي تعتمد بشكل أساسي على لحم الضأن والأرز وتكثر استخدام البهارات والمطيبات كالفلفل الأسود والسماق والكزبرة، كما تختص مطاعم دياربكر وتشتهر بتقديم الكباب والمعلاق الاسود، وتشتهر بحلوياتها الطيبة والمشهورة على صعيد تركيا عموماً ومنها القطايف والبقلاوة، وعند الحديث عن دياربكر لا بد لنا من ذكر البطيخ المشهور والذي اصبح احد رموز دياربكر ويقام مسابقة سنوية للفلاحين لاختيار اكبر بطيخ على مستوى المحافظة حيث يصل وزن البطيخ الكبير الى اكثر من 50 كغ، كما ينتمي لهذه المدينة العريقة العديد من رجالات السياسة والكتاب والممثلين والأدباء ذوي الشأن، ومعروفة بأحياء عيد نوروز الوطني حيث تشهد دياربكر اكبر تظاهرة جماهيرة في نوروز كل عام حيث يحضرها الملايين وتعد المهرجان الاكبر لنوروز على الصعيد الكوردي.

 

المصدر – التآخي العدد والتاريخ: 6937 ، 2015-07-16