Share |

ومضة في حياة و تاريخ آلة الطنبور… كاردو بيري

 

 

 

إنّ آلة الطنبور تعدّ من بين أهم الآلاتالموسيقية تاريخاً و أصالةً قياساً بالآلاتالشرقية كالسنتور و القانون و العود، و هي 

الأكثر تداولاً و شعبية في مجتمعاتناالشرقية، حيناً تراها بدائية و حيناً آخرتجدها معاصرة بتأقلمها مع عمدة الآلات 

كالبيانو و القانون، فيما لو توفر العنصرالأهم وهو مهارة العازف.

  و إن تمعنّا تاريخياً في حياة الموسيقاالشرقية نلاحظ و نستنتج أنّها المصدر الجملآلات كـ"العود" و "نشأت كار" و سلالات 

"الطنبور" كـ"البزق" و "الباغلمه" المتداولة  حالياً لدى المجتمع التركي و الكردي حيثنلاحظ في المراجع الموسيقية أنّ آلة

العودمن حيث الشكل و المضمون كانت أقرب إلىالطنبور، و بالنسبة لتسمية تلكم الآلاتالوترية، كان القدامى يطلقون على

شكل هذهالآلات بـ" بزك" أو " بَرْ زك" فالأول يدلّ علىذات البطن و الثاني يدلّ على الاحتضان فياللغة الكردية و الفارسية.

  كما أسهمت و عاصرت آلة الطنبور حضارات عدّة  كالسومريين و اليونان و شعوب شرق آسيا ومجمل  شعوب أوربا

الشرقية آنذاك، و العالمالموسوعي "الفارابي" يرى بأنّ أكثر أغاني  العصر الجاهلي كانت لا تزال تنشد على أبعاد 

السلم الموسيقي القديم أي على أبعاد  الطنبور الميزاني، إلا أنّ شكل آلة الطنبور  خضع لتجارب كثيرة، كما لقبت و سميت

بألقاب و  أسماء عديدة، فالسومريون كانوا يطلقون  عليها " قُنور" و الكنعانيون أطلقوا عليها  "القيثارة" بينما في اليونان

سموها " باندور"  و في القوقاز " بانتوري"، كما أنّ الفرس و  الكرد و العرب سموها " طانبور" نلاحظ أنّ 

للطنبور استقلالية تامة عن بقية الآلات  الشرقية من حيث الشكل و المقارنة من خلال  اصدار الأصوات و الذبذبات و طريقة

العزف  الفريدة كمرافقة الايقاع بالنغمة من خلال  قرع بالإصبع على صدر الآلة و ثمة أسلوب آخر  يتوافر لدى عازفي الكرد

القدامى كشد الوتر  على الخانة الموسيقية في زند الآلة  لاستخراج علامة "البيمول" الموصولة بعلامة  "البيكار" الطبيعية و

حالياً يتوافر هذا  الأسلوب النادر لدى عازفي آلة السيتار  الهندية المنشأ.

وللطنبور نوعان:

الميزاني " الخراساني" و البغدادي، و لكل  منهما دوره و خصائصه إلى جانب الرونق والجمالية اللحنية، فبينما الميزاني

يعتبر  شبه كاملاً ، يحتوي على ثلاثين "دستاناً" أو  أكثر أي ربطة على الزند لذا من الطبيعي أنّ  له شبه استقلالية و مطلقية

في الشكل و  القياس الرياضي اذ يساعد العازف على اصدار  كامل الاصوات الموسيقية و تأدية المقامات.

  أمّا الثاني: البغدادي فكان يحتوي على ستة  عشر ربطة تقريباً لذا نجده ضيق الامكانيات و  المسافات، اذ لا يؤدى به إلا القليل

من  المواويل و الأهازيج الشعبية ذات المقامات  المحصورة و الفرعية جداً، فنستنتج أنّ  الطنبور الميزاني أخذ حيزاً أوسع و

درج أكثر  من البغدادي الذي بقي أسير المسافات  المحدودة و الضيقة أما كقياسات رياضية، فقد  استشهد به كبار العلماء

كـ"الفارابي" إذ قال: 

"إنّ عدد الأجزاء الصوتية في زند الطنبور  أربعون جزءاً" و قد استطاع المستشرق  الايطالي " هنريكو ماثيروفلول" في

الموسوعة  الموسيقية الايطالية الجزء الأول، أن يوضّح  تقسيم الدرجات الصوتية على زند الطنبور و  ذبذبة كل درجة صوتية

بمعدل : "ليما/ ليما  /كوما"،  و بذلك نستنتج أنّ المقاسات الصوتية  في آلة الطنبور شبه كاملة و أنّ "الدساتين" 

الموجودة على الزند مقسّمة على أبعاد  منتظمة بحسب صانع الآلة و يستخرج من كل وتر  مسافة ديوان  ( أوكتاف و

نصف).

أمّا بالنسبة للأوتار غالباً ما كان عددها  في كلا النوعين وترين و كانوا يقومون  بدوزنتها غالباً بالعلامتين التاليّتين:" 

ره- لا" و بعد إضافة الوتر الثالث كان  الموسيقيون يقومون بدوزنتها بالعلامات  الموسيقية التالية:

" صول– ره – لا " و في بلاد الشام قام  الموسيقي البارع " محمد عبدالكريم" الملقب  بأمير البزق بتجربة معقولة على

الطنبور  فأضاف علامة " الصول" لنهاية الزند و جعل شكل  الطاسة أقرب إلى العود و قام بدوزنتها بـ" 

صول – دو " و " دو- صول – دو " حيث ألّف أجمل  الألحان و المعزوفات على الإطلاق منها: 

أغنية " رقة حسنك و سمارك" التي لحنها  للفنانة " نجاح سلام" و كذلك معزوفة " رقصة  الشيطان" الشهيرة في الموسيقا

الشرقيّة.

و فيما بعد اجتهد بعض الدارسين و العازفين  على هذه الآلة حتى صنع طنبور يليق بمخيلته و  امكانياته في المهارة، اذ رتّب

زند الآلة  أكثر ترتيباً من حيث الطول و العرض، فخرج  بمعادلة "اوكتافين" من كل وتر و ألّف عليها 

أجمل المعزوفات الموسيقيّة، وجدير بالذكر  تجربة العازف و الباحث "أحمد جب" من مدينة  كوباني الذي أوجد آلة مشتقة من

الطنبور  سماها " بيناف" حيث جعل أوتارها " فا – لا- ره  – صول – دو"مع إمكانية تغيير الوتر الأول إلى " مي " أو 

"صول" حسب رغبة العازف.

  كما تغنّى بآلة الطنبور الشعراء غزلاً و  تدليلاً، ثمة من شبهها بمحبوبته، و ثمة من  امتدحها جمالاً حتى امتدح بعض الشعراء 

عازفة الطنبور "عبيدة الطنبورية"  في العصر  العباسي اذ كانت جميلة و شاعرة لبقة  المجالسة، فهي عاصرت اسحق

الموصلي، وغنّت  له، فامتدحها أحد الشعراء ذات مرة اذ قال:أمست عبيدة في الإحسان واحدة              فلله 

صار لها من كل محذورمن أحسن الناس وجهاً حين تبصرها        و أحذق  الناس إن غنّت بطنبور

و كذلك المغني الكردي الشهير محمد عارف  جزراي وصف جدائل عشيقته "عيشانا علي" بأوتار 

الطنبور  و ذكر عددها في إشارة إلى علامات  الطنبور البغدادي.

و مما لا شكّ فيه إنّ الحديث عن حياة و تاريخ  آلة الطنبور و سلالاته لا يقتصر على كتابة  مقال بل ثمة جميل و جميل عاش

حياته بعشق مع  هذه الآلة كالعازف و المؤلف الموسيقي  التركي الشهير "جميل بك الطنبوري" و العازف  الغجري السوري

"محمد عبد الكريم" و اللبناني  "مطر محمد".  كما أنّ للرحابنة حيز و مساهمة في القاء  الضوء على جمالية آلة البزق المشتقة

من  الطنبور، و كذلك المشاكس "عارف ساغ " في مجال  اشتقاق "الباغلمه" عن "الطنبور" أي " ديوان  ساز " و كذلك

ساحري آلة "التار" المنبثقة من  "الطنبور" في المجتمع الفارسي.

 

المصادر و المراجع:

 -1كتاب" السماع عند العرب" الجزء الاول للمؤلف : مجدي العقيلي.

  - 2 الموسوعة الموسيقية الايطالية- الجزء  الأول.

 - 3  أعداد من مجلة "الحياة الموسيقية" السورية.